ثقافة » تربية وتعليم

أكاديميون: «الوزير» في مواجهة «البيروقراطية» و«مخاطر التغيير»

في 2016/12/14

يعد ملف التعليم واحداً من أكثر الملفات سخونة في الواقع السعودي، ويقع تحت مجهر المجتمع ونظر نخبه وعمومه، حتى لا يكاد يصدر تعميم أو قرار إلا نفخ في الأوساط الشعبية روح النقاش المحموم الذي لا يهدأ عن التعليم، ولا عن واقعه ومستقبله.

وخلال فترة قصيرة استضاف كرسي الوزارة أكثر من اسم، ما يشير إلى بعض ما يعيشه واقع التعليم من حراك وبحث عن مستقر، إذ إن تسمية أحمد العيسى وزيراً للتعليم بعد دمج المستويين بدت للبعض وكأنها أول الخطى في طريق الاستقرار. فالعيسى ابن العملية التعليمية، وهو على ما في بعض تصريحاته من مثار جدل وانتباه، إلا أن لديه رؤى وتصورات يستبشر بها بعض الخبراء في هذا الحقل.

وعبر «الحياة» كتب الوزير ما يشبه «مانفيستو» للتعليم العام، يمكن أن يلقي الضوء على بعض استراتيجيته لتسيير هذه العملية القلقة منذ أعوام، وعبر «الحياة» تم فتح باب النقاش لعدد من المهتمين. رقية العلولا التي عملت مستشارة لشؤون التعليم في ظل وزارة سابقة قالت: «جميل جداً أن يكتب الوزير للمواطن عن انطباعاته ومشاعره بعد 100 يوم من تعيينه، وهي سابقة تحسب له. فالعيسى صاحب رؤية وخبرة نظرية وعملية في مجال التعليم، وعرفناه صاحب كتاب «في إصلاح التعليم العام والجامعي»، ولا شك في أن مقالته حديث خبير».

وتضيف: «قرأت المقالة، وأدركت أنها ليست موجهة للتربويين أو منسوبي وزارة التعليم، بل هي حديث للمجتمع بأكمله، إدراكاً منه أن همّ التعليم هو همّ الوطن بجميع مفاصله وشرائح مواطنيه».

وتتابع: «لهذه المقالة دلالات كثيرة، ففي بدايتها أشار إلى محمد الرشيد، وهو من وجهة نظري أحد أهم وزراء التعليم وأكثرهم إحداثاً للتغيير الإيجابي فيه، مع ما واجهه من المقاومة، ولذلك دلالة لا تخفى على ذوي البصيرة».

وتقول: «مقالته حوت المنجزات التي تمت خلال الأعوام الـ20 الأخيرة، ثم إن استعراض المشكلات وعوائق الإصلاح لهو دلالة على أن المقالة موجهة للمجتمع»، واستنتجت: «أظن أن الوزير مقبل على قرارات تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية جوهرية، وهو ما يحتاج معه إلى استجلاب الدعم المجتمعي للخطوات المقبلة، ولن يأتي هذا الدعم المجتمعي إلا بوضعه في الصورة الحقيقية الصادقة للوضع».

وتواصل العلولا: «على رغم أن الوزير بدأ بتعداد الإنجازات التي تحققت سابقاً، فإني أظنه يدرك أنها إنجازات مادية ورقمية، تمثل تطوراً طبيعياً بل حتمي في ظل الثورة المعرفية في العالم أجمع، ونتيجة حتمية لارتفاع اقتصاد المملكة تبعاً لارتفاع سعر النفط، كانخفاض نسبة الأمية وتحسن البيئة المدرسية وازدياد حصة التعلم الأهلي».

وتستدرك: «أما تحسن نتائج طلابنا في المسابقات الدولية فلا تعكس - من وجهة نظري - تطور التعليم، بل هي نتاج التركيز والتدريب المكثف والمرتفع كلفة لنخبة قليلة من الطلاب لا تكاد نسبتها تذكر بالنسبة لعموم طلاب التعليم العام، كما أنها في معظمها تمثل اهتمام المدارس الأهلية الكبرى التي تملك فلسفة واضحة في التعامل مع الموهوبين والمتفوقين من طلابها، وهم يمثلون النسبة العظمى من الفائزين في المسابقات الدولية، وهو يعرف ذلك جيداً». وتابعت: «المؤسسات الجديدة التي تدعم التعليم، مثل «موهبة» و«تطوير» و«قياس»، هي مؤسسات لها ما لها وعليها ما عليها، والحديث عن تأثيرها في التعليم يطول، ويثبت ما قلته هنا، والوزير أورد في مقالته الجانب الأهم والأكثر صراحة والأقل مجاملة فيه، وهو أن نظامنا التعليمي لا يزال دون مستوى الطموح، ولا تزال مخرجات تعليمنا أضعف من أن تواجه تحديات الحاضر والمستقبل، وأن نظام التعليم لا يزال مكبلاً بكمّ هائل من التحوطات والتوجسات والتدخلات».

وعادت لتقول إن الوزير انتقل إلى أهم عناصر منظومة التعليم، وهم المعلمون، بدءاً من قبولهم وتأهيلهم في كليات التربية، ثم تضخم عددهم بالنسبة لعدد الطلاب وتدريبهم، وكل ما يترتب على ذلك، ناهيك عن المناهج وأساليب التدريس.

وبحكم خبرتها في مجال التعليم لأكثر من ثلاثة عقود، تؤكد العلولا: «أدرك تماماً أن عبارات العيسى تصف الواقع تماماً من دون إخفاء له أو تلميع مزيف، وهذه أولى خطوات الإصلاح، فمثلاً يقول «المدرسة ضعيفة التكوين»، و«منظومة الخدمات بعيدة كل البعد عن الحد الأدنى المقبول في بلد غني»، ويؤكد أن «النظام التعليمي غير قادر على توفير البيئة المناسبة لذوي الإعاقة ودمجهم بطريقة سليمة»، وينبه إلى «الأنانية وتقديم المصالح الشخصية على مصلحة الوطن»، وإلى «إقحام التعليم في صراع القيادات الفكرية»، وغير ذلك كثير من دلالات شجاعة الوزير وجدّيته في الإصلاح»، بحسب العلولا.

وتختتم كلامها بأن «القارئ الخبير الذي يمتلك رؤية إدارية وتربوية يدرك أن الإنجازات هي تطور طبيعي، أما المشكلات والعوائق فهي جوهرية متجذرة متراكمة، تحتاج إلى دعم القيادة العليا في البلاد أولاً، ثم إلى فريق من القيادات المؤمنة بحتمية التغيير نحو الأفضل».

الحياة السعودية-