ثقافة » تربية وتعليم

أحمر شفاه في مدرسة ثانوية

في 2017/01/11

وقفت مديرة المدرسة في منتصف غرفة المعلمات الرئيسية تستمع لسبب استدعائها من قبل لوبي القضايا الصغيرة، وشعاره الأخلاق تأتي أولاً.
استمعت المديرة إلى مقدمة قصيرة من معلمة هي المتحدث الرسمي عادة لهذا اللوبي، أعقبه شرح مفصل من معلمة خمسينية ابتدأته بقولها إن إحدى الأخوات الفاضلات -ثم أشارت نحوها بعينها فقامت الأخيرة بتعديل جلستها ليتأكد للجميع أنها المقصودة- لاحظت خلال المناوبة المسائية احمرار شفاه معظم الطالبات في المدرسة، وأنها قامت بنفسها بالتحقيق والتفتيش، لكنها لم تعثر على أداة الجريمة، المتمثلة في إصبع روج عنابي أو يميل لهذا اللون.. في تلك اللحظة تنفست المديرة الصعداء وقالت سأرى هذا الموضوع، محاولة منها الهرب إلى مكتبها لإكمال المهم من العمل، لكن المتحدثة عادت لتستوقف المديرة قائلة: "لقد لاحظنا تكرار الأمر وأعداد الطالبات ذوات الشفاه المصبوغة تتزايد، ولا يخفى عليك أن هناك تعميما من الوزارة".
الجملة الأخيرة استوقفت المديرة التي تعرف أن مثل هذه العبارة ستعقبها شكوى من هؤلاء المعلمات توجه إلى المتابعة والتحقيق، تنتهي غالبا بـلفت نظر للمديرة لترد بانكسار يعرفه الحزب الآخر في المدرسة، والذي يود دائما أن يقول شيئا، لكنه لا يقول لأنه سينتهي كمديرته بلفت نظر أو إساءة إلى السمعة على الأقل! قالت المديرة بيأس بالغ: "خلاص كونوا لجنة وفتشوا الطالبات"، لتصرخ معلمة صغيرة -من المعلمات اللواتي يسمين عادة بمعلمات بند 105- "لم يحرّم الله الزينة لماذا نحرمها نحن"؟ تطلعت نحوها المديرة بيأس وقالت: "تعليمات الوزارة"، ومضت.. في الحقيقة ندمت هذه المعلمة الصغيرة على جملتها كثيرا بعد ذلك، لكن تلك قضية أخرى. وبدأ تفتيش الفصول بحيث دخلت اللجنة على كل فصل وطُلب من الطالبات الوقوف بمحاذاة جدران الفصل الثلاثة، والابتعاد عن الحقائب، وبدأ التفتيش لينتهي بعد 3 ساعات دون العثور على أداة الجريمة، لكن مرة أخرى اقترح اللوبي تحقيقا مع الطالبات الأضعف جناحا في المدرسة، واللواتي غالبا ما ينتمين لأسر منفصلة أو يتيمات، ولم يلبثن حتى اعترفت طالبة منهن وظهر معها أن أداة الجريمة ليست إصبع روج من "شانيل" أو "لانكوم"، بل آيس كريم بطعم التوت، تشتريه الطالبات من ناصية الشارع المقابل للمدرسة.. عندها قالت المديرة وهي تتطلع إلى المعلمة الصغيرة: لا يوجد تعميم يمنع تناول الآيسكريم قبل الحضور إلى المدرسة، لذا تقفل القضية. كانت التلميذات ذكيات في إيجاد طريقة لما تدعوهن فطرتهن إليه من التزين، وجميلات ليكن إناثا مستقبليات ويصررن على أن كلمة الله [أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ]، أي النشأة في الزينة هي الملائمة وليست قرارات لا تراعي ما تمليه فطرة الله في خلقه للإناث، وميلهن للتجمل منذ الطفولة. في ذلك الوقت أيضا كانت تُزال المرايا من دورات المياه، بدعوى أن الطالبات يهربن من الفصول لينظرن إلى وجوههن، وفي الحقيقة علميا المرأة تهتم بالنظر إلى وجهها كل نصف ساعة، فتصور تأثير فقد ذلك عليهن.. هل أسهمت مثل تلك القرارات في ظهور المسترجلات؟ لا أعرف، لكن أتمنى أن تعاد مراجعة الأنظمة والتعليمات في المدرسة، لتتسق مع متطلبات المرحلة السنية التي تعيشها الطالبات حتى لا نبتلى بالمسترجلات.

عزة السبيعي - الوطن السعودية-