ثقافة » تربية وتعليم

العنف في مدارس السعودية.. المعلم والطالب ضحية عدم وجود رادع

في 2017/02/28

«كل غلطة لا يعاقب عليها القانون تولد ذرية من الأغلاط».. هكذا حال المدرس السعودية، وما تشهده من عنف ضد الطلاب تارة والمعلمين تارة أخرى، دون رادع، ما يولد انتشار أوسع لهذه الظاهرة التي أصبحت تهدد العملية التعلمية.

اليوم، بات معلم سعودي، يواجه تهمة جنائية بعد اعتدائه على تلميذ بالصف الأول الابتدائي بمدرسة مجعر شرقي محافظة صامطة، ما تسبب في ست غرز خلف أذنه بعدما وضع القلم الرصاص خلفها.

حادثة التعنيف تلك ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن فتحت وزارة التربية والتعليم السعودية، في الأعوام الأخيرة الكثير من ملفات التحقيق في مقاطع فيديو تُظهر معلمين وهم يضربون تلاميذهم.

وبين فترة وأخرى، تظهر بعض مقاطع الفيديو، معلما يزجر الطلبة، وآخر يهز عصاه مهددًا، وثالث يمارس بالفعل أساليب تعذيب بدائية، من شأنها التسبب بأضرار جسدية بالغة، ناهيك عن الأضرار النفسية التي قد تمتد إلى مراحل عمرية متقدمة، وتخلق الكثير من العقد.

ويعود الفضل لانتشار مقاطع الفيديو التي تفضح انتهاكات بعض المعلمين في المدارس السعودية، إلى كثرة استخدام الطلاب للهواتف الذكية.

وتثير تلك المقاطع غضب شريحة واسعة من السعوديين، ممن يعبرون عن امتعاضهم في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحظى بشعبية واسعة في المملكة، وفضاء للنقاش وإبداء الرأي.

ولا يقتصر التعنيف على الأذى الجسدي، بل يتجاوز ذلك إلى التعنيف النفسي، عبر الصراخ وترهيب الطلبة، وكيل الشتائم وألفاظ الاحتقار، التي تكسر نفسية الطلبة وتحملهم تبعات قد تمتد معهم إلى مراحل عمرية متقدمة.

ويضاف إلى ذلك ما يسببه التعنيف من إذكاء مشاعر الكره للتعليم والمدارس، وانصراف الطلاب إلى البحث عن ذواتهم وتفريغ شحناتهم في أمورر أخرى، مثل ممارسة التفحيط، أو الانخراط في جماعات «الدرباوية» مرورًا بظاهرة التحرش وابتزاز الفتيات، بحس بمراقبين.

ويطالب مختصون تربويون بضرورة إطلاق برامج تربوية تثقيفية، من شأنها التصدي للظاهرة، عبر إخضاع المعلمين لدورات مكثفة لتوجيههم إلى أفضل الطرق للتعامل السوي والسليم مع الطلبة.

تاريخ طويل

الكثير من الوقائع التي تشهدها المدن والقرى السعودية، تؤكد تورط بعض المعلمين والمعلمات في تعنيف الطلاب والطالبات، بعضها قديم، وبعضها الآخر حديث، إلا أن المؤكد أن أولئك المعتدين لم يرتدعوا، ولم يعتبروا بعقاب الذين سبقوهم من زملائهم.

أحد أشهر حوادث تعنيف الأطفال والاعتداء عليهم، كان في نهاية العام 2013، وكشفها مقطع فيديو لتلميذ في الصف الأول الابتدائي، الذي صوره معلمه، وهو يبكي ويتوسل إليه بقوله: «أتعلم وأجيك»، لكن المعلم تمادى في إهانته، ونشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي.

انتشر حينها الفيديو للمعلم وهو يستخف بمشاعر طفل يبكي، ويطلب منه السماح والغفران ويعده بمواصلة دروسه في البيت.

الغريب أن الحادثة السابقة لم تهتم بما حدث قبلها بعامين، عندما شكا والد طالبة في منطقة المدينة التعليمية، معلمة ضربت ابنته ذات الثماني سنوات بعصا مكنسة، أصابتها بكدمة أسفل العين اليسرى استوجبت علاجاً مدة أربعة أيام.

وما حدث في ذات السنة، بمدينة ينبع، عندنا ضرب وكيل مدرسة، طالب في المرحلة الابتدائية يبلغ من العمر تسع سنوات، ما سبب انتفاخاً في معصم يده، وذلك لأنه تأخر عن الدخول إلى الفصل مع زملائه بعد الفسحة.

عنف ضد المدرسين

أما الستة شهور الماضية، شهدت وحدها عدد كبير من حوادث العنف في المدارس، التي لم يقتصر فقط على عنف ضد الطلاب، بل عنف من الطلاب أنفسهم، ضد المدرسين،

ففي أغسطس / آب الماضي، انتظر طالبان وكيل مدرستهم الأهلية، خارج أسوار المدرسة، واعتديا عليه بالضرب وأوقعا به إصابات مختلفة.

ورصدت كاميرات المدرسة واقعة الترصد والاعتداء، وباشرت وقتها الدوريات الأمنية الواقعة، وقبضت على الطالبين، وفشلت محاولات صلح بين الطرفين لاحتواء الأمر بلا طائل، إذ أصر المعلم على التمسك بحقه الشرعي، مطالبا بالانتصار له كمعلم، واستعادة هيبة التربية والتعليم.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ أحرق طلاب سيارة مدير مدرستهم في جدة، غرب المملكة، في حادثة ليست الأولى من نوعها، إذ يتعرض معلمون للضرب والأذى من قبل طلابهم في بعض الحالات، بالإضافة إلى رسائل تهديد تصل بعض المعلمين تتضمن شتائم وتهديدات يصل بعضها إلى التهديد بالقتل، في مؤشر على ضياع هيبة المدرسين، وانخراط بعض الطلبة في دائرة العنف، كرد على المعاملة السيئة.

وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صفع طالب بالصف الأول الثانوي، بأحد المدارس بمنطقة الطائف، وهو برفقة والده أثناء الطابور الصباحي معلمه على وجهه، ما دعا المعلمين إلى التدخل، وإبلاغ الأمن الذي تَحَفّظ على الطالب وولي أمره لاستكمال الإجراءات بحقهما.

وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، تهجّم ولي أمر طالب على أحد المُعلمين في إحدى مدارس البنين الإبتدائية بالدمام بالشتم والاعتداء باليد، وتم نقل المعلم إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، اعتدى طالب على معلم بالضرب المُبرح وأصابه في وجهه بمدرسة ثانوية غرب الدمام.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تداول مغردون تحت وسم «طالب يطلق النار على مدرسته»، مقطع فيديو، للطالب لحظة إطلاقه النار، بعد وقوع مشاجرة جماعية بين عدد من الطلاب في إحدى المدارس بمحافظة تثليث، قبل أن تتحفظ الجهات الأمنية على أطراف القضية.

عنف ضد الطلاب

العنف ضد الطلاب، كذلك شهدت تصاعدا خلال الشهور الأخيرة، ففي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اقتلعت معلمة قسرا أظافر طالبة، ما تسبب في إسالة الدماء منها.

ونقلت صحف سعودية، عن الطالبة المتضررة قولها إن المعلمة هددت الطالبات أثناء إجراء اختبار في الفصل وقالت إنها «لن تستلم أي ورقة إجابة للامتحان من طالبة أظافرها طويلة، ثم أجبرت الطالبات على قص أظافرهن بدلا عن حل الاختبار، وعندما رفضت أوقفت إجراء الامتحان وقامت بسحب مقص الأظافر، ومسكت يدها وقامت بقص أظافرها حتى سال الدم منها، وانتزعت جزء من لحم الأصابع بصورة وحشية».

وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعرضت طالبة تدرس في الصف السادس الابتدائي بإحدى المدارس لعنف جسدي ولفظي من قبل مرشدة طلابية، ما أدى إلى تمزيق مريولها، وإصابتها حسب التقارير الطبية من مستشفى الأنصار والوحدة الصحية بتورم في إصبع إبهام اليد اليمنى، وتمزق في أربطة الإبهام الأيمن.

وفي اليوم التالي، حققت إدارة تعليم محافظة المخواة، في واقعة اعتداء مدير ووكيل ومرشد، على طالب (يتيم) في الصف الثاني الثانوي، تأخر عن الطابور الصباحي، ورفض عقاب (البطة)، فأفقده المرشد الطلابي وعيه، وأظن أن عقاب البطة نوع من التمرينات الشاقة يؤديها الطالب طوال الحصة الأولى، في ساحة المدرسة عقاباً على تأخره، أما علاقتها بالبطة فسرها عند أولئك الجهابذة.

وكانت أحدث، ما شهدته المدارس السعودية، اعتداء معلم على طالب الصف الأول الابتدائي بمدرسة مجعر شرقي محافظة صامطة، مما تسبب في ست غرز خلف أذنه بعدما وضع القلم الرصاص خلفها.

احصائيات

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت الرئيس التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني الدكتورة «مها المنيف» أن 25% من المراهقين يتعرضون للتنمر وفق دراسات مسحية أعدها مركز الملك عبدالله للأبحاث حول قياس صحة المراهقين في المملكة.

وعكست دراسة «مدى انتشار العنف وسوء معاملة الأطفال في المدارس والتي نفذها برنامج الأمان الأسري الوطني بأن 47% من الأطفال يتعرضون للتنمر».

والتنمر يأخذ عدة أشكال، «الجسدي» يتمثل في الضرب والتسلط واستخدام القوة الجسدية، بينما التنمر «النفسي واللفظي» فيتمثل في التهديد والتخويف والتحرش، في حين يشمل التنمر «الجنسي» التهديد باستخدام الصور الجنسية وإرسال رسائل تحمل محتوى جنسيا.

كما أن دراسة صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، تحت مسمى «جيلنا»، كشفت أنّ 20.8% من طلاب المملكة تعرضوا للعنف الجسدي في مدارسهم، و25 % تعرضوا للتنمر.

وفي 2015 أيضا، كشفت إحصائيات لوزارة الداخلية، أن 82% من إجمالي الحوادث في المملكة عموماً تتعلق بالعنف داخل البيئة المدرسية، والتي ارتفعت خلال سبع سنوات من 1406 حوادث، اعتداء إلى 4528 حادثة، بزيادة 400%، خلال السنوات السبع في منطقة الرياض فقط.

ولفتت إحصائية وزارة الداخلية إلى أن عدوى العنف المدرسي انتقلت من مدارس البنين إلى مدارس البنات، مما يعني وجوب الوقوف بحزم وقوة ضد هذه الظاهرة التي قد تنهي ما تم بناؤه من مسيرة الحركة التعليمية.

يشار إلى أن نظام «حماية الطفل»، صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 14) وتاريخ 3/2/1436، ويتضمن النظام كل أشكال الإساءة والإهمال التي قد يتعرض لها الطفل، ومنها الإساءة النفسية التي قد لا يعيرها بعض الأسر والمدرسين أدنى اهتمام.

وتعرّف المادة الأولى نظام حماية الطفل بأنه «النظام الذي يكفل للطفل الحماية من كل مظاهر الإساءة والإهمال التي قد يتعرض لها، في البيئة المحيطة به، في الأسرة، والمدرسة والحي والأماكن العامة، ودور الرعاية، والمؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الأهلي».

الخليج الجديد-