هاني الظاهري- عكاظ السعودية-
الحال التي آل إليها برنامج «فطن» عقب اختطافه من قبل ذوي الفكر الظلامي المنحرف، تؤكد أن على وزارة التعليم مراجعة حساباتها بهدوء والتفكير خارج الصندوق لضمان عدم العودة إلى الدوامة نفسها، فليست المشكلة في محتوى البرنامج فقط أو في عدد من مشرفيه وإنما في المحتوى الخفي الذي يمرره معظم القائمين عليه لأبنائنا وبناتنا، وهذه مسألة يصعب علاجها في فترة قصيرة لأن المناهج الخفية موجودة في المنظومة التعليمية ككل منذ أكثر من 3 عقود، ولدى أصحابها القدرة الفائقة على التخفي والتمويه والاستمرار في تنفيذ أجندتهم ما لم تتحول عملية تطهير الوزارة من ذوي الفكر الإخواني والأيديولوجيا المتطرفة إلى مشروع أو برنامج أمني وطني صرف يدار بشكل مستقل من قبل رئاسة أمن الدولة.
شخصياً لا أرى أي جدوى لبرنامج «فطن» أو شقيقه برنامج «حصانة» في تنمية الحس الوطني أو الارتقاء بمهارات الطالب وطرق تفكيره وسلوكه، فهذه أشياء يجب أن تكون من صميم العملية التعليمية وتقدمها المناهج الدراسية الرسمية لا برامج موازية كل ما تفعله هو هدر المال العام.
الحق الذي يعرفه جميع الأسوياء والعقلاء في هذا العالم أنه لا يوجد شيء أنجع من الفن في تهذيب النفوس والسلوك وإعداد الفرد المتكامل الشخصية المحب للحياة والمتسامح مع الآخر والبعيد كل البعد عن المناهج المتطرفة، مهما أنكر ذلك أعداء الحياة والجمال والمنطق واستخدموا الحجج الواهية لتكريس ثقافة البؤس والكراهية والموت.
يقول الدكتور حسين البياتي في رسالة بعنوان (التربية عن طريق الفن) إن «الفن يساهم في إعداد الفرد للحياة واحتلال مكانته المرموقة في المجتمع، لا من الناحية الفنية فحسب بل وأيضا من الناحيتين الروحية والعقلية وتحقيق التكامل في شخصيته في جميع جوانبها، إذ إنه جوهر التربية الوجدانية التي تغذي الشخص روحيا، والفرد لا يصبح كاملا إلا إذا نمت بداخله المفاهيم السليمة للتذوق والمعايير الصحيحة للاستمتاع بقيم الأشياء التي تمر تحت بصره أو في ذاته، وتمكنه من الاستجابة لها بكل حواسه استجابة المستمتع الذي نال حظه من التدريب الفني». وقبل البياتي بنحو 2500 سنة أكد الفيلسوف الإغريقي أفلاطون في مدينته الفاضلة الجمهورية على أن الموسيقى تملك صفة تربوية وتأثيرا مهما في النفوس بجانب اتصالها بالجمال، إذ تمنح النفس ائتلافا واتزانا من أجل تحقيق الخير والجمال.
الأمير الملهم محمد بن سلمان الذي قال قبل أيام إننا سنعود إلى ما كنا عليه قبل زمن الصحوة، أعاد ذاكرتي لأكثر من 30 سنة، إذ تلقيت تعليمي الابتدائي في مدرسة الفيصلية الأهلية في مدينة الطائف، وأتذكر جيدا أن حصة «الموسيقى» حينها كانت من الحصص الدراسية الاعتيادية وقد تعلمت من خلالها العزف على آلة «البيانو» في العاشرة من عمري.. كان ذلك قبل أن تتصحر مدارسنا وتتحول لثكنات ظلامية تعرض أفلام الجهاد الأفغاني في حصص النشاط، وليت وزارة التعليم اليوم تتبع منهج الأمير وتعيد مدارسنا إلى ما كانت عليه، يكفي فقط أن تلغي حرف الطاء من «فطن» وسنكون لها من الشاكرين.