فهيد العديم- الرياض السعودية-
الصحوة أكثر الكلمات تداولاً منذ أن وُلد محدثكم حتى هذا الوقت الذي يلج فيه بوابة الأربعين, والطريف في الأمر أن الهجائيات التي نالتها في سنة واحدة توازي تيجان المدائح التي وضعت على رأسها طوال عقود مضت , أما الأعجب فإن أغلب المدّاحين لها أيام جبروتها هم أكثر ( المتشفين) بذبولها الآن , وكأنهم – يا سبحان الله – فجأة اكتشفوا بشاعتها بعد أن سقط عنها (النقاب) , وأظنه من المناسب أن أقف قليلاً عندما عنونتُ به هذه المقالة, فالعنوان لا علاقة له بالفتيا, ولا بأي شيء آخر, وإنما تحوير للمثل العامي ( الضرب بالميت حرام) , وبما أنها أصبحت الآن في عداد الأموات فأتمنى أن لا ننشغل – كعادتنا – في النقاش حول جواز الصلاة عليها من عدمه, وهل تدفن بمقابر المسلمين أم لا ؟ وماذا قالت عنها مغسّلة الأموات , هل كانت مبتسمة أم أن لونها أسود من ( أسطورة اليوكن الشعبية) , وهل رآها أحد الصالحين في منامه وهي توصيه خيراً بجماعات الإسلام السياسي ؟, وغير ذلك من جدلياتنا التي تجاوزنا فيها نقاش الأصدقاء أهل بيزنطة الكرام .
لا يمكن أن تنشغل بالصحوة, وتتحدث عن ( نيوم) بنفس الوقت, الصحوة كانت تغرينا للماضي وتدعونا إليه, و(نيوم) بكل ما يحمله المصطلح من حمولات كلها تدعو للمستقبل, كنّا نطمح أن يكون لدينا مستقبل, والآن رُسم هذا المستقبل ( أصبح فعلاً لدينا مستقبل) وعلينا أن نسعى لتحقيقه, المهم الآن أن نؤمن أن الصحوة أصبحت صفحة مطوية في ذمة التاريخ, الآن يجب أن نتخلص من آثارها التي تثقلنا, فكثيراً من تمظهراتها علقت فينا من دون أن نشعر, والدليل أنني قبل قليل انجرفت بتأثير العقل الباطن ومارست ( الوعظ), ولو لم أتنبه لأوغلت كثيراً, وجلبت لكم من كتب التراث عن فضائل الزهد بالمستقبل ما يجعل يومكم بملامح ( يوم أحد كئيب), وكلمة الزهد في هذا السياق هي مرادفة للامبالاة المستشرية في مجتمعنا, فأصبح الإنسان شبه آلي ينفذ المعلومات التي لُقن بها فقط , مما تسبب في قتل الاستنتاج والتفكير , هذا الإنسان الذي نتكلم عنه هو المكون الاجتماعي لدينا, وهو ذاته مكون الهيئات والوزارات, فعندما أرادت قررت وزارة التعليم إضافة حصة النشاط – التي كان من المفترض أن تقوم بها المدرسة بدون قرار وزاري- ما حدث أن المدارس تريد (كتالوجاً) يقوم بدور ( التلقين) لكيفية النشاط , فعندما كانت الأنشطة يتم التعامل معها (كفتوى) كان الشرح لكيفية تنفيذها متوفراً من خلال الوعّاظ والكاسيت والمنشورات , أي من خارج المدرسة, ولهذا نقول أنه يجب أن تستعيد المدرسة ثقتها بنفسها وتكون هي من تصنع الفكرة, وليس لتنفيذ أفكار من خارجها, فأخطر ما تركته الصحوة بعد رحيلها أنها جعلت الناس فاقدي الثقة بأنفسهم, ودروهم هو تنفيذ أفكار قلّة يعتقدون إن آراءهم هي الدين, وما ينطبق على التعليم يبدو واضحاً في تناقضات (بعض) أعضاء مجلس الشورى مثلا, حيث يعارضون بعض التوصيات أو يعطلونها, وعندما تقرر بأمر سامٍ نجدهم مؤيدين لها ويعددون فوائدها وكأنهم يعرفون هذه الفوائد لأول مرة, ولهذا أقول أن ( نيوم) ليس فقط مدينة جديدة, بل لا بد أن يكون (نيوم) هو الشعار السعودي الجديد.