الحياة السعودية-
من باب «الفزعة» تارة وشغف «المغامرة» أخرى، تستغل طالبات يدرسن في المرحلة الجامعية ثغرة تعاني منها أنظمة بعض الجامعات، في انتحال شخصيات زميلاتهن في قاعات الاختبار، وخوض الاختبار الفصلي أو النهائي بدلاً منهن، فيما تعتمد جامعاتهن على البطاقة الجامعية التي تخلو من صورهن، وتقتصر معلوماتها على الرقم الجامعي للطالبة واسمها وسجلها المدني فقط، ما شجع بعضهن على تجاوز الأنظمة والتحايل على اللوائح، وخوض اختبار زميلاتهن، مستندات على بطاقاتهن الجامعية التي يصعب على مراقبة الاختبار التأكد من شخصية الطالبة، واقتصار عملها على مطابقة بطاقة الطالبة الجامعية مع ما هو وارد في كشوفات التوقيع.
وأشارت أكاديميات إلى أن اكتظاظ قاعات الاختبار بأعداد كبيرة من الطالبات، يفوق الـ80، وتباين المراقبات يومياً في القاعات، جعل من الصعب إدراك هوية الطالبة وما إذا كانت من تخوض الاختبار هي ذاتها صاحبة البطاقة أم لا، ما استدعى مطالبة مراقبات وأكاديميات إدارة الجامعات بضرورة إدراج صورة الطالبة ضمن بطاقتها الجامعية، على غرار ما طبقته جامعات سعودية.
وعلى رغم التطور الذي تشهده بعض الجامعات وتميزها واحتلالها مراكز متقدمة في تصنيفات دولية، وحصولها على جوائز وميداليات ذهبية وفضية، وأخرى نالت قصب السبق في اعتمادها موقعاً لتعليم الفتيات قيادة السيارة، واستحداث دراسة لتفعيل مسرح نوعي يرأس لجنته فنانون، إلا أن اعتمادها نظاماً قديما يقتصر على إدراج بيانات الطالبة من دون صورتها، يجعلها ما تزال في مرحلة الحبو.
وقالت مراقبات يعملن في جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز في محافظة الخرج لـ«الحياة»: «يقتصر دورنا على القاعات خلال فترة الاختبارات النصفية والنهائية على المحافظة على انضباط الطالبات داخل القاعة، وضمان سير الاختبارات بسلاسة، والتأكد من إحضار الطالبة بطاقتها الجامعية وتدوين اسمها ورقمها الجامعي في الخانة المخصصة في كراسة الإجابة وتوقيعها في كشف التوقيع عند تسليم أوراق الإجابة».
وعن المعاناة التي تتكبدها المراقبات، ذكرن أن خلو البطاقة الجامعية من صورة الطالبة، واقتصارها على الاسم والهوية والرقم الجامعي، ضاعف من معاناتنا، إذ أعطى ذلك بعض الطالبات فرصة لانتحال شخصيات زميلاتهن وحضورهن الاختبار بدلاً عنهن من باب الفزغة والمساعدة لهن، في الوقت الذي يصعب على المراقبة حفظ ملامح وشخصيات كل طالبات القاعة الواحدة، مع اختلاف القاعات التي تراقب فيها يومياً، إذ لا تقل أعدادهن عن 80 طالبة.
وأشارت إحداهن إلى انه خلال السنوات الماضية تم ضبط حالات قليلة لطالبات عمدن إلى انتحال شخصيات زميلاتهن، وحضرن الاختبار بدلاً منهن، وتم احالتهن إلى إدارة الكلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة، في حين أن هناك حالات أخرى ساهم في كشفها «شهود عيان» من الطالبات، ما يدعو عمادة القبول والتسجيل في الجامعة إلى استحداث بطاقات جامعية جديدة للطالبات، يتم ارفاق صورة الطالبة فيها.
بدوره، قالت أكاديمية تعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إنه «على رغم أنني أقوم بتدريس طالبات القسم الذي اعمل فيه، إلا أن ذلك لا يشفع لي معرفة هويات جميع الطالبات اللاتي أدرسهن أو حفظ ملامحهن، فالعدد كبير داخل القاعة الواحدة، وانحسار عدد المحاضرات التي ادرسها لهن فيما لا يزيد عن يومين في الأسبوع، يجعلني عاجزة عن التأكد من حقيقة شخصياتهن أثناء المراقبة داخل قاعة الاختبار، في الوقت الذي تقتصر فيه البطاقة الجامعية للطالبة على اسمها ورقمها الجامعي من دون صورتها، ما ساهم في وجود حالات انتحال طالبات شخصيات زميلاتهن».
وعن الطريقة التي تتبعها المراقبات في قاعة الاختبار، ذكرت «نطابق اسم ورقم الطالبة الجامعي الموجود في كشوفات التوقيع مع بطاقتها الجامعية، ولكن بما أن البطاقة لا تحوي صورة الطالبة، تكون عملية المطابقة بلا فائدة تذكر»، مشيرة إلى أن نظام التعليم عن بعد المُطبق في الجامعة يشهد أيضاً حالات انتحال أكثر أثناء الاختبارات سواء أكانت شفهية أو تحريرية.
وذكرت أكاديمية أخرة أنه في إحدى المرات التي كنت تراقب فيها في قاعة الاختبار، «لفت نظري عند تسليم طالبة كراسة إجابتها وتوقيعها، أن ملامح تلك الطالبة التي اختبرت ليست هي ذاتها صاحبة الاسم في كشف التوقيع، وليست هي الطالبة نفسها التي قمت بتدريسها، ولمعرفتي الشخصية في الطالبة المتغيبة ومقارنتي لها بمن انتحلت شخصيتها، دفعني ذلك إلى ضبطها وإحالتها إلى إدارة الكلية، لاتخاذ الإجراءات والعقوبة التي تضمنتها لائحة الجامعة».
وتتفاوت عقوبة الطالبة المنتحلة بين رسوبها في الاختبار ذاته، وحرمانها من اختباريين يليهما، فيما تصل في حال تطاولها وتلفظها على المراقبة إلى حرمانها فصلاً دراسياً كاملاً. وهناك حالات تكون فيها منتحلة الشخصية لا تنتمي إلى الحرم الجامعي، وانما مجرد زائرة.
«جامعة سطام»: صورة الطالبة خيار شخصي لها
قال المتحدث باسم جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز في محافظة الخرج الدكتور عيسى الدوسري لـ«الحياة»: «لم تسجل الجامعة أية حالة انتحال شخصية طالبة لأخرى في قاعة الاختبار». وعن الإجراءات واللوائح التي تطبقها الجامعة في حال انتحال طالبة شخصية زميلتها، ذكر أنه يتم تطبق لائحة تأديب الطلاب والطالبات.
وأضاف الدوسري «لا تتحفظ الجامعة على إلزام الطالبة إرفاق صورتها في البطاقة الجامعية من عدمه، فإدارة الجامعة تترك لها الحرية في ذلك، فمن ترغب أن تكون بطاقتها الجامعية تحمل صورتها الشخصية يمكنها ذلك من خلال قسم شؤون الطالبات في الكلية».
وعن الطريقة التي تتبعها إدارة الجامعة خلال فترة الاختبارات في المراقبة والتدقيق والتأكد من شخصية الطالبة المتقدمة للاختبار، أبان أن ذلك يتم من خلال الهوية الوطنية. وأشار إلى أن الجامعة ليست بحاجة إلى دراسة مسألة إرفاق صورة الطالبة ضمن البطاقة الجامعية من عدمه، «لأن هذا الأمر متاح لجميع الطالبات، ويتم بحسب رغبتهن».
«جامعة الإمام»: حالات الانتحال لا تُذكر
أوضح المتحدث باسم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أحمد الركبان أن عدد حالات انتحال الشخصية المضبوطة «لا يذكر، ولا يعتبر ظاهرة»، مبيناً أن اللوائح التي تطبقها الجامعة هي «لوائح تأديب الطالب المعلنة على موقع عمادة شؤون القبول والتسجيل في الجامعة».
وقال الركبان: «بدأت الجامعة في تطبيق إجراءات إصدار البطاقة الجامعية للطالبات المستجدات مرفقاً فيها الصورة الشخصية، وذلك بعدما قمنا بزيارة جامعات نظيرة لنا، لنتعرف على أفضل التجارب وأفضل البرامج الخاصة بالبطاقات المتضمنة صورة الطالبة».
وأضاف «هناك طريقة للتأكد وقت الاختبارات من وجود الطالبة ذاتها، من خلال مطابقة بطاقة الجامعة مع الهوية الهوية الوطنية أو نظام البصمة، ولها أجهزة خاصة مخزن فيها بصمة الطالبة».
محامٍ: العقوبة السجن وغرامة نصف مليون ريال
أكد المحامي الدكتور محمد الجذلاني أنه لا يحق للطالبة الامتناع عن إدراج صورتها في البطاقة الجامعية، «لأن هذا الإجراء من الجامعة أصبح أمراً ضرورياً لتوثيق شخصية الطالبات، وليس فيه أي مخالفة للشريعة، ومن يعتقد خلاف ذلك فهو لا يفهم الشريعة» بحسب قوله لـ«الحياة»، مبيناً أن الفقهاء نصوا في كتبهم على جواز كشف وجه المرأة في مواضع كثيرة للحاجة، ومنها الكشف عند الطبيب والقاضي والشاهد، لمعرفة شخصيتها وغير ذلك، «ففي زماننا صارت الضرورة تفرض ذلك».
وقال الجذلاني لـ«الحياة»: «انتحال الطالبة شخصية زميلتها في الاختبار يعتبر صورة من صور التزوير التي نصت عليها المادة الثانية من النظام الجزائي لجرائم التزوير التي نصت على تضمين المحرر واقعة غير صحيحة يجعلها تبدو واقعة صحيحة»، معتبراً أوراق الاختبارات «محرراً رسمياً وبالتالي تكون العقوبة هي المنصوص عليها في المادة الثامنة من النظام والتي تتمثل في السجن من سنة الى خمس سنوات، وغرامة لا تزيد عن 500 ألف ريال».
وذكر أن التبعات القانونية لممارسة الغش في الاختبارات الجامعية يحكمها اللوائح التي تصدرها الجامعات عادة، لتنظيم أحكام الاختبارات وأحكام تأديب الطلاب وتستحق الطالبة عند الغش ايقاع عقوبة قد تصل إلى الحرمان من الدراسة جزئياً أو كليا».
وعلى رغم تواصل «الحياة» مع المتحدث باسم وزارة التعليم مبارك العصيمي من شهر، إلا أنه لم يرد على أسئلتها حتى وقت كتابة هذا التقرير