سامية الجبالي- البيت الخليجي-
تصدرت دولة قطر قائمة الدول العربية المتفوقة على مستوى جودة التعليم للسنة الدراسية 2017 -2018، وهي قائمة يصدرها المنتدى الإقتصادي العالمي “دافوس”. ويبيّن التصنيف الجديد لجودة التعليم الذي شمل 137 دولة فقط وذلك بسبب تعذر رصد العمليات التعليمية في بلدان كثيرة، تفوّق الدول الخليجية، ففيما حلّت قطر في المرتبة الأولى عربيًا والسادسة عالميًا احتلّت الامارات العربية المتحدة المرتبة الثانية عربيًا والثانية عشر عالميًا على مستوى جودة التعليم.
ويقوّم هذا التصنيف كل من الدول العربية و العالمية على أساس 12 معيارا أساسيا و هي: البنية التحتية، المؤسسات، بيئة الإقتصاد الكلي، التعليم الأساسي والصحة، التدريب والتعليم الجامعي، الجودة الخاصة بالسلع والأسواق، كفاءة سوق العمل، سوق المال وتطويره، التكنولوجيا، الإبتكار، حجم السّوق وتطوّر الأعمال.
أثار هذا التصنيف جدلاً واسعاً، خصوصًا وأن الدّول المشمولة تتّفق على مستوى الرفاهة الإقتصاديّة لكنها لم تكن من البلدان الرائدة على مستوى التعليم والبحث العلمي خصوصاً، كما لم يسبق أن صنّفت جامعاتها ضمن أقوى الجامعات على المستوى العالمي.
ولذلك يستوجب في البداية توضيح مصطلح جودة التعليم حتى نفهم أساسًا ما معنى أن تتصدر دول الخليج هذه القائمة.
جودة التعليم يُقصد بها مجموع المعايير والإجراءات والقرارات التي يهدف تنفيذها إلى تحسين البيئة التعليميّة، بحيث تشمل هذه المعايير المؤسسات التعليميّة بأطرها وأشكالها المختلفة، والهيئة التدريسيّة والإداريّة وأحوال الموظفين الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمنظومة التعليمية.
في الواقع لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار إهتمام الحكومات الخليجية بالتعليم وسعيها إلى تطويره، إذ توجد إرادة سياسية واضحة تحفّز تنمية القطاع عبر تخصيص ميزانية هامة لقطاع التعليم ففيعام 2018 خصصت السعودية 21.6% من ميزانيتها الوطنية للتعليم، في حين خصصت الإمارات 20.2%. وقد أنفقت كل من عُمان والبحرين والكويت وقطر 12.8٪ و 10.5٪ و 10.2٪ و9.4٪ على التّوالي.
ويؤكد تقرير لـ”بيت الاستثمار العالمي” (جلوبل) أن الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي «خصّصت حصة كبيرة من موازناتها لقطاع التعليم»، وعلى رغم تأثير تراجع أسعار النفط في الموارد الرئيسة للدّخل، «خصصت عُمان والسعودية والإمارات أكثر من 20 في المئة من موازنة عام 2016، لتنمية قطاع التعليم». ويدلّ تخصيص الدول حصة كبيرة من موازناتها لمصلحة قطاع التعليم على «توجه الحكومات للتّركيز على التّنمية الشّاملة للمنظومة التعليمية». وتوقع أن يؤدي ذلك إلى «توفير قوى عاملة مؤهلة تناسب متطلبات العمل وتعالج مشكلة البطالة».
وبالعودة إلى السؤال الرئيسي، هل يعني تصنيف منتدى دافوس للبلدان الخليجية ضمن المراتب الأولى من حيث جودة التعليم أن دول الخليج تمكّنت من تطوير التعليم فيها وهو ما يعني قدرة جامعاتها على منافسة أعتى الجامعات العالمية؟
اللبس والضبابية في الموضوع تكمن في هذه النقطة بالذات، ففي الوقت الذي يتحدّث فيه الجميع عن مراتب أولى في جودة التعليم يشير تقرير نشرته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية العام 2015 عن التحصيل العلمي في 76 بلدًا، إلى أنه لا وجود لأيّ دولة خليجية في المراكز المتقدمة في هذا التصنيف إذ حلت السعودية في المركز الـ 66، والبحرين في المركز الـ 57، والإمارات كانت الأفضل خليجيا في المركز الـ45، ولم تظهر الكويت في القائمة كما جاءت عُمان في المركز الـ 72، لتكون بذلك أقل دول الخليج في التحصيل، بعد دولة قطر مباشرًة، والتي جاءت في المركز الـ 68.
لا يمكن إنكار استفادة قطاع التعليم من الإرادة الحكومية لتنمية القطاع كما أسلفنا القول لكنّ ارتفاع مستوى المعيشة في دول مجلس التعاون الخليجي وارتفاع مستويات الدخل أثّرا إيجابيا على الوعي بأهمية التعليم وهو ما أنتج بالضرورة تحسّنا في معدلات الإلتحاق بالتعليم في بلدان المنطقة بل وبالتّوجه إلى القطاع الخاص الذي يوفّر مقرّرات أكثر إستجابة إلى المعايير الدولية.
وعليه فإن ما حققته بلدان الخليج اليوم من نموّ في قطاع التعليم يعود الفضل فيه إلى مساهمة القطاع الخاص، إذ كان لفتح المجال أمام القطاع الخاص وفتح فروع لجامعات ومعاهد أجنبية في بعض الدول الخليجية التأثير الإيجابي في حصولها على مراتب متقدّمة على المستوى العالمي بالإضافة إلى ان بعض الدول الخليجية مثل قطر لا توفّر تعليماً عمومياً إلا لمواطنيها وهو مايعني إرتفاع عدد المدارس الخاصة التي يضطرّ الوافدون إلى تسجيل أبنائهم فيها.
لكنّ الملفت للنّظر أنّه وعلى الرّغم من الجهود الحكوميّة لتطوير قطاع التعليم وحرصها على تقديم تعليم يضاهي المستويات العالمية وينافس البلدان المتقدّمة جودةً، فإنّ مؤسسات التعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي ماتزال عاجزة عن تزويد السّوق المحلية بالكفاءات وهو ما يضطرها إلى ابتعاث طلّابها إلى الخارج أو جلب الطّاقات البشرية الأجنبية لتأمين إحتياجاتها من الكفاءات.
وهو ما يطرح نقاط استفهام كثيرة عن مدى انسجام مقرّرات مؤسسات التعليم العالي الخليجية مع إحتياجات السوق المحلية ومدى التناسق بينهما؟ إذ يبدو واضحا وجود خلل في التنسيق بين مؤسّسات التعليم العالي والمؤسّسات البحثية والمؤسّسات الإنتاجية أيضا، ففي الوقت الذي حرصت فيه الحكومات على تأمين معايير عالية من حيث الجودة في التعليم لم تول موضوع الإرتقاء بالمؤسّسات البحثية وتأمين الكفاءات والكوادر الوطنيّة التي تلبّي احتياجات السوق المحلّية حقّه. ذلك أن مجرّد تحقيق نموّ هام في نسب التمدرس أو الإلتحاق بمؤسسات التعليم العالي ضمن معايير عالمية لا يعني بالضرورة أن التعليم قد حقّق الأهداف المرجوّة.