كامل جميل - الخليج أونلاين-
خطوة جديدة تخطوها السعودية في مجال التعليم بإدراج الفنون في المناهج التربوية، وهي بحسب الجهات المسؤولة في المملكة تعتبر جزءاً من رؤية 2030، وفي وقت يراها المراقبون مهمة في إعداد أجيال تواكب الانفتاح العالمي منطلقة من البيئة المحلية، ما زالت أصوات ترفض انتشار ذلك في المجتمع المحافظ.
وكان رئيس هيئة الموسيقى السعودية، سلطان البازعي، كشف مؤخراً في حديث مع قناة "روتانا خليجية"، عن توجه وزارتي الثقافة والتعليم في المملكة نحو إدراج الفنون في مناهج التعليم العام، مشيراً إلى أن "العمل جارٍ على إعداد المناهج".
وأضاف البازعي أن ذلك يشمل الموسيقى والدراما والمسرح والفنون البصرية وصناعة الأفلام، مشيراً إلى أن "الخطوة القادمة تتعلق بإدراج الموسيقى في مناهج الصفوف الأولية، حتى يتعلم الطلاب من البداية الموسيقى".
وقال: إن "العمل جارٍ حالياً على إعداد المناهج الخاصة بتعليم الموسيقى، وإعداد المدرسين القادرين على تعليم المادة".
من رؤية 2030
وسبق أن أطلقت هيئة الموسيقى نشاط الثقافة الموسيقية عبر منصة "مدرستي"، وهي ما قال عنها اليازعي، في تصريح سابق لقناة "العربية"، إنها مجرد خطوة أولية؛ لأن موضوع التعليم وبناء القدرات جزء أساسي من رؤية 2030.
وأضاف: "بالتعاون مع وزارة التعليم يجري عمل جاد لإدراج مختلف الفنون في التعليم العام، ومنها الموسيقى بكل تأكيد، مع بناء المدارس وإعداد المدرسين".
البازعي، باعتباره الرئيس التنفيذي المكلف لهيئة الموسيقى، أكد أن العمل جاد لإيصال الفنون للتعليم العام، مضيفاً: "قدمنا الدعم لـ100 مدرسة خاصة لتعليم المناهج الموسيقية، ونسعى مع وزارة التعليم لوضع إطار منهجي لهذا النوع من التعليم".
وأوضح أن المادة المنشورة على منصة "مدرستي" هي مادة إثرائية للطلاب لتعويدهم على تذوق الموسيقى في الأساس، والتعرف على هذا العالم بصفته علماً وفناً.
بناء جيل سليم
يعتقد الباحث الاجتماعي د. واثق عباس، المدرس في الجامعة العراقية، أن إدخال الفنون والموسيقى كمناهج دراسية لها أهمية كبيرة في تربية النشء وتطوير مداركه.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يقول عباس إن توجه السعودية لوضع الفنون في المناهج الدراسية دليل "انتباه الحكومة" على أهمية الفنون، مشيراً إلى أن "الموسيقى تساعد في تطوير المهارات داخل النفوس، وتجدد النشاط للعقل، وتزيد من ذكاء الأطفال وتكسبهم الثقة بالنفس".
كما يعتقد عباس أن "الموسيقى تساعد الصغار على تعلم أسرع، فضلاً عن أنها تساهم في المهارات الفعالة، وتشجع على العمل الجماعي، وألا يبقى الطفل وحيداً".
بذلك "تمنع الموسيقى الطفل من أن يكون منطوياً وتبعده عن حمل أفكار سلبية تعمل على تدمير المجتمع، مثل تلك التي تدفعه ليكون إرهابياً أو مجرماً"، وفق عباس.
من جانب آخر، يرى عباس أن الموسيقى تقلل من الضغوط والهموم، وأن الذي يتعامل معها يكون أكثر استرخاء مما يؤدي إلى راحة العقل والجسم.
ولكون الموسيقى لغة عالمية؛ يتولد لدى الطفل ثقافة مختلفة وتاريخ، بحسب عباس الذي يقول إن "العمل الجماعي يعطي روح المحبة والتعاون والإخاء والراحة، والابتعاد عن الأنانية".
رأي المجتمع
على الرغم من أن ثمة فئة من السعوديين ترى أن تدريس الموسيقى يصب في مصلحة المجتمع وبناء الأجيال المنفتحة، هناك أيضاً من ينتقدها ويطالب بعدم إدراجها في مناهج التدريس.
ففي المملكة علق كثيرون عبر منصة "تويتر" معتبرين أن إدخال الموسيقى في المنهاج الدراسي يخالف الشريعة الإسلامية، لا سيما أن المملكة تعتبر البلد الذي يحتضن أقدس الأماكن الدينية بالنسبة للمسلمين.
القادم أجمل
في العودة إلى عقود خلت، نجد أن الخطوة الانفتاحية في التعليم لم تكن غريبة، فعبر تغريدة على حسابه بـ"تويتر" في نوفمبر 2019، قال وزير الثقافة، الأمير بدر بن عبد الله الفرحان آل سعود: إن "الموسيقى والمسرح والفنون في تعليمنا، والقادم أجمل".
العبارة كانت تبشيرية بانفتاح كبير على الموسيقى والمسرح والفنون الأخرى في الجامعات السعودية، وهو ما أوضحه الوزير من خلال إرفاق بنود الاتفاق بين وزارته والتعليم في تغريدته.
ونص الاتفاق بين الوزارتين على التعاون في إدراج الثقافة والفنون في مناهج التعليم العام والأهلي، إضافة إلى نقل صلاحية إعطاء التصاريح والرخص للأنشطة والمسارات الثقافية والفنية إلى وزارة الثقافة.
ونشر وزير الثقافة مع تغريدته صورة أرشيفية لفرقة موسيقية من طلاب مدرسة سعودية، وأرفقها بعبارة: "أيام جميلة.. ستعود".
الصورة التي نشرها الوزير تعود لأحد الفصول التي تعنى بتدريس الموسيقى في حقبة الستينيات، وكانت لطلاب مدارس الثغر النموذجية في جدة.
ويظهر في الصور 23 طالباً يعزفون على مختلف أنواع الآلات الموسيقية، مثل البيانو والغيتار والطبل والكمان، في حين تظهر خلف الطلاب جدارية كبيرة رسمت عليها أدوات موسيقية.
ومدارس الثغر التي كان يديرها حينذاك محمد عبد الصمد فدا، أطلقت فيها معارض للفن التشكيلي وليال موسيقية، وأتاح حضورها لجميع أفراد المجتمع.
وأدخل فدا تدريس الموسيقى ضمن المناهج الدراسية، واستقدم من مصر عازفين لتدريس البيانو والأدوات الموسيقية.
وكانت الحصص الموسيقية تقام كل يوم خميس، حيث كان الطلاب يدرسون النوتة الموسيقية.
نهضة ثقافية
مسؤولون سعوديون ومنهم وزير الثقافة بشروا في وقت سابق بعهد جديد في التعليم؛ تكون فيه الموسيقى والفنون جزءاً لا يتجزء إلى جنب العلوم الأخرى التي يشملها المنهاج التعليمي.
وقال وزير الثقافة في تغريدة على حسابه الرسمي بـ"تويتر" في نوفمبر 2019، إن كلية الثقافة والفنون ستفتتح في جامعة الملك سعود.
وذكر أيضاً أن "بكالوريوس العلوم في الفنون السينمائية في جامعة عفت، ماجستير الآداب في الأدب المسرحي في جامعة الملك عبد العزيز".
وسبق للوزير السعودي أن أعلن، نهاية العام الماضي، خطة لإدراج الموسيقى والمسرح والفنون في مناهج التعليم في السعودية، وذلك عقب اجتماعه بوزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ.
تدريب الموسيقى
الموسيقى اليوم أصبحت جزءاً من الحياة في السعودية بعدما أجازت رؤية 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، العديد من الأمور التي كانت محرمة في المملكة طوال عقود.
كما أسست المملكة، عام 2020، هيئة للموسيقى، عملت بدورها على طرح العديد من المبادرات، ومن ضمنها "التعليم بالموسيقى"، والتي تقوم على إعداد مناهج مرتبطة بالموسيقى لمراحل التعليم المختلفة من رياض الأطفال وحتى الثانوية.
ووصل عدد مراكز تعليم الموسيقى في عموم المملكة إلى 50 مركزاً بحسب صحيفة "مكة" المحلية، إلى جانب أول أكاديمية افتراضية لتعليم الموسيقى عن طريق الواقع المعزز.