يوسف حمود - الخليج أونلاين-
في السنوات الأخيرة، ظهر توجه متزايد في التعليم العالي لدمج التقنيات والممارسات الحديثة من أجل تحسين التجربة التعليمية الشاملة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم بطرق مختلفة.
وأدى دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم مفهوماً جديداً للتعلم في هذا القطاع الصناعي، حيث أحدثت تطويرات برمجيات التعليم بالذكاء الاصطناعي ثورة في طرق التعلم التقليدية، من الدورات الرقمية المتنقلة إلى المراجع الإلكترونية عبر الإنترنت والفصول الافتراضية.
كما سارعت دول الخليج، خلال السنوات الأخيرة، إلى اعتماد مزيد من الشركات التكنولوجية في مجال التعليم على تقنية الذكاء الاصطناعي، وكانت جائحة كورونا البداية الحقيقة للتحولات في هذا الجانب، فإلى أين وصل الخليج في استخدام الذكاء الاصطناعي بالتعليم.
تغيير قطاع التعليم
مع توجه الكيانات العامة والخاصة على مستوى العالم لدراسة كيفية استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي، تبنت دول مجلس التعاون الخليجي الأداة الجديدة كوسيلة لتغيير قطاعاتها التعليمية.
ففي نوفمبر 2022، أطلقت شركة "أوبن إيه أي" الناشئة ومقرها وداي السيلكون إصداراً من "شات جي بي تي ChatGPT"، وأثار موجة من القلق المحيطة بإمكانية الذكاء الاصطناعي المولد لتحويل العمل الفكري.
وتم تصميم الأداء وتدريبها على كميات هائلة من البيانات، وأثبتت قدرتها على كتابة المقالات والسيناريوهات والشعر، واجتياز بعض الاختبارات الكتابية.
يتزامن ذلك مع عمل بعض المؤسسات التعليمية الأخرى على إعادة تصميم التقييمات لتثبيط استخدام الذكاء الاصطناعي المولد، حيث يستفيد عدد من دول مجلس التعاون الخليجي من تلك التكنولوجيا، مع تطلع اقتصادات المنطقة إلى التنويع بما يتجاوز عائدات الهيدروكربونات.
وتبعاً لذلك يُمكن أن تخدم هذه التكنولوجيا أهداف دول المنطقة المتمثلة في تحسين نتائج التعليم للجيل الحالي من الطلاب، وتدريب قوة عاملة مؤهلة لوظائف الغد.
وتغير مشهد التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي عقب جائحة فيروس كورونا بالتحول إلى التعليم الإلكتروني، ما طرح العديد من الخيارات لتكنولوجيا التعليم، وتبنت جهات تعليمية الذكاء الاصطناعي.
تحركات حكومية
ولتسريع دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، أصدر وزير التربية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الكويتي د.عادل العدواني (13 مارس 2024)، قراراً يقضي بتشكيل لجنة لدمج تقنية الذكاء الاصطناعي ضمن منهج الحاسوب.
وتتلخص مهام اللجنة في تحديد الصفوف الدراسية التي ستدمج تقنية الذكاء الاصطناعي ضمن منهج الحاسوب المقرر لها، وإعداد المادة العلمية لتقنية الذكاء الاصطناعي المزمع تدريسها لكل صف دراسي.
أما قطر فقد أعلنت، في يونيو من العام الماضي 2023، على لسان بثينة النعيمي وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، أن تطوير أنظمة بيئة التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وتعزيز التحول الرقمي للبيئة التعليمية، "أصبح جزءاً لا يتجزأ من أي خطة استراتيجية تعليمية في قطر".
وأشارت إلى أن التطورات الهائلة والمتلاحقة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي "أدت إلى إحداث تغيّرات اقتصادية وتربوية وثقافية في كافة المجالات، لا سيما بعد التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد- 19".
دمج وتكامل
وبدأ تحول التعليم في المملكة للألواح الإلكترونية في أغلب المدارس، إذ اعتمدت على الأجهزة الذكية في تعليم الطلبة والطالبات وفي الجامعات، وزودت أغلب المدارس بمعامل مجهزة، بعدما أطلقت وزارة التعليم بالسعودية مبادرة "ساعة الذكاء الاصطناعي"، مستهدفة أكثر من 1300 مدرسة حكومية وأهلية في مختلف مناطق المملكة، كثاني مبادرات الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي "أذكى".
وتستهدف المبادرة "توعية طلاب وطالبات المرحلتين المتوسطة والثانوية بالذكاء الاصطناعي ومستقبله المتطور، لتحفيز هذا الجيل على المضي قدماً نحو عالم التقنيات المتقدمة، ولشحذ هممهم على الالتحاق بالأولمبياد الوطني".
أما الإمارات فقد قالت على لسان وزير التربية والتعليم أحمد بالهول الفلاسي إن استخدام "ChatGPT" قد يكون طريقة ممتعة للطلاب للتكامل مع الذكاء الاصطناعي؛ معتبراً إياه أمراً مهماً لدمج الطلبة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة أن نكون أذكياء عند التقييم.
وأكد أيضاً أن "الإمارات تواكب متطلبات المهارات المستقبلية، وتدعم آليات تحفيز ريادة الأعمال في قطاع التعليم عبر تطوير الكوادر وتعظيم الاستفادة من رأس المال البشري، فضلاً عن ترسيخ مفهوم التعلم المستدام من أجل تحقيق المستهدفات التنموية".
أما عُمان فتسعى وفق رؤية 2040 إلى تحقيق "تعليم عالي الجودة، مُدمج بالتقانة، مُتعدد المسارات، يُعزز الابتكار وريادة الأعمال، ويَبني المهارات"، من خلال برامج تعليمية وتربوية تعزز العملية التعليمية واكتساب مهارات المستقبل، وفق رؤيتها الكاملة.
وفي البحرين، وضمن تجارب واسعة لدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، أعلنت المجموعة العالمية للمدارس المتميزة "مجموعة انسبايرد التعليمية"، في سبتمبر من العام الماضي، نتائج استخدام برنامج تجريبي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التدريس والتعلم اليومي على مجموعة من 160 طالباً بالمدرسة البريطانية في البحرين، مشيرة إلى أنها حققت تحسناً في الأداء بنسبة 4.6%.
أرقام ومؤشرات
اجتذبت الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي اعترافاً متزايداً بالاستفادة من التقنيات الجديدة لتحسين النتائج التعليمية، إذ صعدت جامعة الملك عبد العزيز في السعودية إلى المركز 101 في تصنيف الجامعات العالمية في 2023 الذي نشرته تايمز للتعليم العالي.
كما حصلت على أعلى درجات هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 9 المتمثل في الصناعة والابتكار والبنية التحتية.
وحصلت السعودية على المركز الخامس في قائمة أفضل 10 جامعات عربية، إلى جانب جامعة قطر وجامعة الشارقة وجامعة الإمارات وجامعة أبوظبي.
ويأتي الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، مع اقتناص المملكة العربية السعودية أكبر مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية عند 135.2 مليار دولار، في حين ستُحقق الإمارات العربية المتحدة أكبر تأثير نسبي بـ14% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2030.
يأتي ذلك مع توقعات أن تشهد البحرين والكويت وعمان وقطر مساهمة جماعية بـ45.9 مليار دولار، أو 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030.
ولتحقيق هذه الفوائد، أخذ العديد من دول مجلس التعاون الخليجي زمام المبادرة في إعداد اقتصاداتها للاندماج والاستفادة من الذكاء الاصطناعي، إذ أصبحت الإمارات أول دولة تُعين وزير دولة للذكاء الاصطناعي في عام 2017، مما يشير إلى نيتها دعم الاستثمار في المنطقة، ونشرت قطر استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي، في أكتوبر 2019.
وفي أكتوبر 2020، حددت السعودية استراتيجيتها الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، بعد أن أنشأت هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي السعودية والمركز الوطني للذكاء الاصطناعي في العام السابق، وتعتزم المملكة بحلول 2030 جذب نحو 20 مليار دولار من الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا المجال لدعم أهدافها.