كامل جميل - الخليج أونلاين-
لم تكتفِ السعودية بتطوير العملية التعليمية في المملكة عبر الإصلاحات، وتحسين جودة التعليم، وتطوير الكوادر البشرية، وتهيئة بيئة متقدمة تلبي احتياجات المستقبل، بل اتخذت الشدة أيضاً لمعاقبة المتخلفين عن الالتحاق بالتعليم، يكون فيها أولياء الأمور أمام طائلة القانون.
ذلك ما يفسر إعلان النيابة العامة السعودية، الاثنين (19 أغسطس الجاري)، أنها تحقق مع مواطن تسبب بانقطاع أطفاله الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاماً عن التعليم من دون مبرر نظامي؛ ما سبب لهم أضراراً نفسية جسيمة.
ووجهت النيابة العامة السعودية -بحسب بيان لها- الجهات المختصة لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات النظامية، بإعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة، واتخاذ إجراءات الحماية اللازمة لهم.
وحمّلت "النيابة" الوالدين مسؤولية عدم خلق ظروف ملائمة للدراسة لأطفالهم، ومساعدتهم على التعلم، وحمايتهم من مختلف السلوكيات المنحرفة.
واعتبرت أيضاً أن "التسبب في انقطاع الأبناء عن التعليم صورة من صور الإيذاء والإهمال الموجب للمساءلة بموجب نظام حماية الطفل".
القانون السعودي
قوانين المملكة، بحسب ما تنقل صحيفة "سبق" عن المحامي والمستشار القانوني عبد الرحمن البلوي، توجب تحويل ولي أمر الطالب إلى النيابة العامة عند تغيب ابنه 20 يوماً عن المدرسة دون عذر.
وأوضح البلوي أن غياب الطالب عن المدرسة يعدّ إهمالاً وجريمة يعاقب عليها النظام؛ وفق تعريف الإهمال الوارد في المادة الأولى من النظام، التي جاء فيها: "الإهمال هو عدم توفير حاجات الطفل الأساسية أو التقصير في ذلك".
وتشمل هذه الحاجات الجسدية، والصحية، والعاطفية، والنفسية، والتربوية، والتعليمية، والفكرية، والاجتماعية، والثقافية، والأمنية.
ولفت البلوي إلى أن المادة الثالثة بالفقرة الرابعة من النظام ذكرت أنه يُعد التسبب في انقطاع الطفل عن التعليم إيذاء أو إهمالاً.
وأفاد بأن المادة السادسة تذكر أن للطفل الحق في الحماية من كل أشكال الإيذاء أو الإهمال، والمادة 15 الفقرة الأولى: 1/ تفيد بأنه يعد والدا الطفل -أو أحدهما أو من يقوم على رعايته- مسؤوليْن في حدود إمكاناتهما المالية وقدراتهما عن تربيته وضمان حقوقه، والعمل على توفير الرعاية له، وحمايته من الإيذاء والإهمال.
وتؤكد الفقرة ذاتها أنه "يحيل غياب (20) يوماً عن الدراسة بدون عذر، ولي أمر الطالب إلى النيابة العامة، لتتولى التحقيق معه بموجب نظام حماية الطفل".
وأنشأت النيابة العامة، في نوفمبر 2022، وحدة متخصصة بحماية الأطفال من أي اعتداء أو ضرر، في خطوة تعزز من حصول الأطفال في البلاد على حقوقهم ومصالحهم، وتهدف الوحدة إلى:
تمكين الطفل من الحصول على جميع حقوقه التي كفلها له النظام، ومراعاة مصلحته الفضلى.
حوكمة وتنظيم تطبيق الإجراءات النظامية في القضايا التي يكون الطفل أحد ضحاياها.
التحقّق من الإجراءات الاجتماعية والرعائية التي تمت، بالاشتراك والتعاون مع الجهات ذات العلاقة لتوفير بيئة اجتماعية آمنة له.
آثار نفسية
استشارية الطب النفسي د. فاطمة الكعكي أكدت الأهمية الكبيرة التي توليها السعودية للتعليم وفرضه بالإجبار على السكان، لافتة في الوقت نفسه إلى خطورة التخلف عن التعليم وأضراره على الفرد والمجتمع.
في حديثها لـ"العربية نت" تتطرق الكعكي إلى انعدام فرص التعليم في دول أخرى، وحرمان أطفال بأعداد كبيرة من الدراسة، جراء الفقر أو تحديات مختلفة.
لكنها من جانب آخر تشيد بالتخطيط الذي وضعته المملكة لبناء أجيال متعلمة، من خلال الدعم الكبير لقطاع التعليم.
ولفتت الكعكي إلى أن الحكومة السعودية "وضعت قانوناً أساسياً ينص على توفير الدولة التعليم العام، وتلتزم بمحاربة الأمية".
وأضافت: "كما يهدف النظام إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات التي تهيئهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم ومعتزين بتاريخه، في حين حدد عقوبة ولي الأمر الذي يحرم طفله من المدرسة بالسجن والغرامة".
وشددت الكعكي على أن "حرمان الطفل من التعليم يمكن أن تكون له آثار نفسية سلبية خطيرة، بعضها على المدى القصير والبعض الآخر على المدى الطويل".
وأوضحت أن من بين هذه الآثار النفسية انخفاض الثقة بالنفس، والشعور بالنقص، والاكتئاب، والقلق، والعزلة الاجتماعية، ومحدودية فرص النمو والإنجاز، والشعور بالإحباط، وتوجه الطفل نحو الإدمان.
رؤية 2030
سعت رؤية المملكة 2030 منذ إطلاقها إلى تحويل النظام التعليمي في السعودية إلى نموذج عالمي يحتذى به، يعتمد على الجودة، والابتكار، والشمولية.
وعملت الرؤية على زيادة العناية بتطوير التعليم الذي شمل المناهج والمعلمين والطلاب والمدارس وطرق وأساليب التدريس والتعليم، ومواكبة التطورات العلمية والحضارية؛ بما يجعل الطالب على تواصل دائم مع أي تطورات علمية ومعرفية.
وما يؤكد نجاح الخطط والقرارات، سواء التطويرية والتحفيزية أو العقابية، ارتفاع مستوى التعليم بالمملكة الذي يكشف عنه "مؤشر ترتيب" الذي تأتي أهميته بأنه:
يستهدف الطلبة وأولياء الأمور، وقيادات التعليم العام، ومختصي التعليم العام والباحثين فيه، وقيادات ومنسوبي المدارس.
يقدم ترتيباً للمناطق وإدارات ومكاتب التعليم والمدارس، وفقاً لمتوسط درجات طلابها في اختباري القدرات العامة والتحصيل الدراسي التي تنفذها الهيئة.
يهدف المؤشر إلى:
تحفيز التنافس الإيجابي بين المدارس لتجويد أدائها، وإشاعة ثقافة التقويم والتحفيز المستمر للتحصيل التعليمي.
تبادل المعلومات بين المدارس ومكاتب وإدارات التعليم.
مساعدة أولياء أمور الطلبة لتحديد المدارس المتميزة.
التطوير المستمر لمنظومة التعليم والتدريب.
وكانت هيئة تقويم التعليم والتدريب أطلقت، في 2023، "البرنامج الوطني للتقويم المدرسي" لضمان جودة الأداء المدرسي وتطويره من خلال توفير بيانات موثوقة وتحليلها، وإعداد تقارير عن مستوى الأداء ومخرجات التعليم العام.
ويتكامل هذا البرنامج مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، وبرنامج تنمية القدرات البشرية في إعداد مواطن منافس عالمياً.