ثقافة » تربية وتعليم

فضيحة نقص المعلمين... مع وجود العاطلين!

في 2015/10/17

هاني الفردان- الوسط البحرينية-

لم أستغرب كثيراً دعم عدد كبير من أعضاء مجلس النواب سياسة الحكومة في استمرار توظيف وعمل المدرسين الأجانب في وزارة التربية والتعليم، على رغم أن نائباً قدّم طلبات 376 لمعلمين بحرينيين عاطلين في 35 تخصصاً أكاديمياً، مازالوا ينتظرون حقّهم الطبيعي والدستوري في الحصول على وظيفة لائقة.

لن نستغرب أبداً، غياب التخطيط في مسألة توفير المعلمين لمختلف المدارس، مع ما هو واضح بشأن نقص المعلمين في عدد من المدارس الحكومية رغم مرور شهرين على بدء العام الدراسي الجديد وقرب امتحانات «المنتصف» والتي من المزمع أن تكون بعد أسبوعين.

لن نستغرب أبداً، أن تتحرك وزارة التربية والتعليم متأخرة جداً لتواجه مسألة نقص المعلمين في مدارسها، وهو ما يؤكد غياب سياسة التخطيط المسبقة لاحتياجات المدارس!

الخلل يكمن في آلية الوزارة في توزيع المعلمين وقلة التوظيف وسوء التنسيق بين إدارات الوزارة المعنية، وكذلك «السياسية» الواضحة التي تتحكم في عملية توظيف المعلمين البحرينيين.

لكي نفهم ما يحدث في المدارس من نقص معلمين يجب أن نعود للوراء قليلاً، ونقرأ المبررات التي ساقها وزير التربية والتعليم بشأن عدم الاعتماد على توظيف البحرينيين من الخريجين في سلك التعليم أمام مجلس النواب في أبريل/ نيسان 2015، ومن بين تلك المبررات أن ديوان الخدمة المدنية هو الجهة المسئولة عن التوظيف في البحرين، مع وجود نقص في التخصصات، وأنه ليس كل من حمل مؤهلاً جامعياً يستطيع أن يكون معلّماً، ولكن بالمقابل، يمكن لكل متطوّع يحمل الثانوية العامة أن يكون معلماً بحسب «معايير» الجهات الرسمية لتقييم المؤهلين للسلك التعليمي في البحرين!

وزارة التربية والتعليم استقدمت في مارس/ آذار 2014، 16 مدرساً للتربية الرياضية، ووزّعتهم على عدد من المدارس لممارسة مهنة التدريس، وعندما أثار الموضوع ضجّة محلية كبيرة، نتيجة وجود أعداد كبيرة من البحرينيين الجامعيين من خريجي التربية الرياضية عاطلين عن العمل، قالت إنهم «خبراء من حملة شهادات الدكتوراه، وجيء بهم لتطوير مناهج تدريس التربية الرياضية»!

الحقيقة أن وزارة التربية والتعليم تسيطر عليها تكتلات وجمعيات، لا يهمّها المصلحة الوطنية، بل جُل همِّها كيف تحقق أجنداتها الخاصة، والاستفادة من الأوضاع الحالية وتحقيق المكاسب المادية المؤقتة. على سبيل المثال، فإن العذر الذي ساقته وزارة التربية بعد الضجّة التي خلّفها خبر استقدام معلمين عرب، مع احترامنا لكل الأشقاء من كل الجنسيات، لتدريس الرياضة في البحرين كان «عذراً أقبح من ذنب»، إذ صرّحت مديرة إدارة التربية الرياضية والكشفية والمرشدات بالوزارة (2 مارس/ آذار 2014)، أن «الوزارة وفي إطار جهودها للارتقاء بمادة التربية الرياضية في مدارسها، سواء من حيث المناهج أو الألعاب المختلفة، قد استعانت بعدد من الخبراء من حملة الدكتوراه من خارج البحرين، والذين تتنوع تخصصاتهم لتشمل مختلف مجالات التربية الرياضية، إلى جانب ما يتمتعون به من خبرات عالية في هذا المجال»!

ذلك الرد من قبل الوزارة، يوجد منه الكثير مما تغصّ به الصحف المحلية عندما يتم التطرق لمسألة توظيف المعلمين الأجانب، وتهميش البحرينيين، إذ دائماً ما تعتقد مؤسسات الدولة، أن مثل هذه الردود ستنهي المسألة، أو أنها ستقنع الرأي العام بما تقول، والحقيقة التي لم تفهمها تلك المؤسسات بعدُ أن تراكم «عدم الشفافية» ولَّد قناعةً لدى الشارع العام بأن كل ما تقوله، يجب أن يؤخذ بعكس مدلوله.

فضيحة نقص المعلمين في المدارس الحكومية، تواكبها أيضاً مسألة عدم توظيف خريجي التربية، ولجوء الوزارة إلى استقدام الأجانب للتدريس، فحتى على صعيد تدريس مادة «الرياضة» فقد لجأت الوزارة إلى الخارج رغم وجود بحرينيين ينتظرون ذلك التوظيف، وهو ما جعل الوزارة في ذلك الوقت «تلفّ وتدور» بشأن استقدام مدرسين مصريين لتدريس «الرياضة» في البحرين، حتى وصفتهم بـ «الخبراء»! والمفاجأة أن الرد على الوزارة جاء على لسان وزير التربية والتعليم المصري محمود أبوالنصر الذي أعلن في (9 فبراير/ شباط 2014) قرار إعارة 24 مدرساً جديداً للمدارس البحرينية منهم 15 مدرساً للتربية الرياضية، و9 لمواد دراسية أخرى»، ولا أعرف كيف حرفت وزارة التربية والتعليم في البحرين كلمة «مدرّس» إلى «خبير»!

قضية نقص المدرسين في المدارس الحكومية، هي قضية «سياسية» حتى لو حاول البعض التغطية عليها، فالمعلمون العاطلون موجودون، ولكن لا يراد توظيفهم.

فهل يعقل أن تتجاهل الوزارة طلبات البحرينيين من خريجي الجامعات في مجال التربية، لتستقدم مدرسين عرباً؟ وهل يعقل الحديث عن نقص مدرسين مع وجود كمٍّ من المعلمين العاطلين؟!

لا أعتقد أن كل تلك الأسئلة هي المشكلة، بل المشكلة في سياسة الإقصاء والتهميش التي بدت واضحة ليس لمن هم في الداخل فقط، بل لدول العالم الخارجي، حتى أصدرت فيه تقارير مطولة تحدّثت عنه بكل وضوح.

الحقيقة تكمن في تبعات أحداث 2011 وما خلَّفته من «تمييز فاقع»، فالمسألة ليست كفاءات، ولا نقص تخصصات، ولا جلب خبراء، بل هي مسألة «ولاءات» وتبعات لواقع سياسي محتقن رسَّخته سياسة «الإقصاء والتمييز».