ثقافة » تربية وتعليم

معلمون بلا تلاميذ

في 2015/10/22

خيري منصور- الخليج الاماراتية-

في أكثر من بلد عربي تنشر أخبار عن اعتداءات متكررة لبعض التلاميذ على المعلمين، وحبذا لو أن هناك خانة خاصة لهذا النوع من الأخبار. فهي أكبر من جريمة وأقل قليلاً من القتل مع سبق الإصرار. فكيف انتهى بنا الأمر إلى هذه المشاهد التي تفتضح تربويات مضادة للمُثل والأعراف التي رسخها تاريخ كان المعلم فيه هو التجسيد الحي لثقافة أمة ورسالتها الحضارية، وحين أطلقت الألقاب على فلاسفة وحكماء في التاريخ لم يجد المؤرخون أفضل من لقب المعلم لإطلاقه على أرسطو ومن بعده على فلاسفة من العرب والمسلمين منهم الفارابي وابن سينا وآخرون!

هذا النمط من العقوق غير مسبوق في تاريخنا، فثمة خلفاء تنافسوا على حمل أحذية معلميهم كما فعل الأمين والمأمون، وقد تكون الأمة الوحيدة التي انفردت بالقول إن «من علمني حرفاً كنت له عبداً» أو «كاد المعلم أن يكون رسولا»!

فهل تحطمت منظومة القيم إلى الحد الذي يفقد الأب هيبته واستحقاقاته؟

ذلك لأن المعلم أب نختاره بمحض إرادتنا ونحن أبناؤه، رغم أننا لم نولد من صلبه، لكن هناك ولادة ثانية للإنسان هي لحظة الإدراك بأنه أصبح قادراً على تحديد النموذج الذي يقتفيه.

إن توصيف أي ظاهرة مهما بلغت من السلبية واختزالها في خبر مثير يضاعف من المشكلة ولا يضع لها حلاً، فأين هي الأبحاث النفسية والاجتماعية من منظور تربوي والتي تبحث في جذور هذه الظواهر، فهي ليست نبتاً شيطانياً أو مجرد نوبات موسمية، وتكرارها يعني أنها قابلة للتفاقم بحيث يصبح كل شيء مُباحاً!

وإذا صح أن للتعليم ثلاثة أقانيم فإن المعلم هو الأقنوم الأول بامتياز لأن التعليم من دونه مجرد أبنية وورق وواجهات للعرض فقط.

والحلّ ليس في عقاب هؤلاء الذين يصابون بالعمى التربوي ويعتدون على معلميهم، بل في استقصاء الدوافع لهذا الانحراف الذي قد تبلغ عدواه كل مناحي الحياة.

ونحن لم نقرأ حتى الآن إضافة إلى تلك الأخبار عن العقوق التربوي أبحاثاً تبين للناس الأسباب والدوافع كي يصبح التدارك ممكناً، لأن واقعنا العربي تستغرقه شجون أخرى، وأصبح المسكوت عنه فيه هو بيت الداء!

وإذا استشرى الفساد بحيث لا يسلم منه حتى المَلْح، فإن الحياة تصبح جحيماً دونه الموت.