د.يعقوب أحمد الشراح- الراي الكويتية-
إن مجرد الحديث عن إصلاح التعليم أو البحث فيه من دون إرادة وقناعة في التغيير إلى الأفضل لا يصب في المصالح العليا للدولة، وليس له هدف، ولن يتحقق منه شيء على أرض الواقع. فما لم يكن للإصلاح خطة وتطبيق ومتابعة ورصد لنتائجها وتحليل لفوائدها فإن مجرد التنظير فيه مضيعة للوقت والجهد وهدر للمال والموارد البشرية. والمعلوم أن الإصلاح ينبغي أن يكون شاملاً يتناول تداخل وتأثيرات مدخلات التعليم بمخرجاته باعتبار أن الاصلاح يعني «العملية السياسية» الموجهة لتحسين التعليم، والتزام الدولة أمام الناس بتنفيذ ذلك وفق خطة مدروسة ومتابعة دائمة، بل ومساءلة حقيقية.
ومع أن الإصلاح يأخذ اتجاهات مختلفة، وله أشكال متنوعة فإن الإصلاحيين يختلفون عادة على شكل الإصلاح واتجاهاته نتيجة التباين في دوافعهم، فهناك من يريد الإصلاح من أجل تقليل الإنفاق على التعليم، أو لدوافع تطالب التعليم بالتركيز على القيم والموروثات، أو أن يساهم الإصلاح في خلق عوائد اجتماعية في الصحة والثروة والرفاهية وغيرها.
هناك من يريد إصلاح التعليم من أجل تعزيز الثقافة الإنسانية والمفاهيم الديموقراطية كالوفاء باحتياجات الأطفال أو لأغراض السلام والتسامح والإخاء بين الناس، أو لترسيخ قيم الوحدة الوطنية، وهناك من يرى أن كل هذه الأشياء مطلوبة ولا غنى عنها في بناء الشخصية الإنسانية.
إن أي اتفاق عام على أهداف الإصلاح بين الإصلاحيين هو البداية الصحيحة للعملية الإصلاحية والتي ينبغي أن تحصن بالتشريعات، وبمعايير التنفيذ السليمة وبقدر من المساءلة القانونية في حال الإخلال بمعايير الإصلاح وبرامجه، أو الأسس التي يقوم عليها الإصلاح. فالكثير من الإصلاحات تفشل لعدم وجود تشريعات تحميها وتمنع تغييرها، أو عدم تنفيذها لأسباب عديدة منها مقاومة التغيير، والاستفادة من الأوضاع القائمة، أو الخلل في الإعداد والتنفيذ وغير ذلك من عوامل تساهم في إعاقة أي مشروع لإصلاح التعليم.
والتجربة تثبت أن إشكالية تطوير أو اصلاح التعليم في البلاد ليست في ضعف القدرة على إعداد برامج الإصلاح أو تشخيص مشكلات النظام التعليمي أو الحاجة إلى دراسات وأبحاث، وإنما أساس الإشكالية هي في ضعف القدرة على القيام بالعملية الإصلاحية على الأرض، وبالذات من الميدانيين، خصوصاً وان غالبية برامج الإصلاح في الماضي أعدت من مجموعات تحكمها نوازعها واتجاهاتها السياسية، ولا تأخذ في الاعتبار الاتجاهات العامة أو خصائص وظروف المجتمع، باعتبار أن التعليم شأن عام، ومسؤولية تضامنية تحتاج إلى توافق وتعاون بين كافة الأطياف الاجتماعية والسياسية في البلاد، ولا ينبغي أن يقود دفته من له أو لهم أجندات خاصة تتعارض مع السياسة العامة للتعليم.
لقد قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير في تقريره عن التعليم في الكويت إننا في خطر تماماً مثل ما قال غيره من خبراء البنك الدولي أو اليونسكو أو حتى الدراسات التي أعدت من الأساتذة في الجامعة، فمصدر هذا الخطر يتمركز في أن التعليم لن يكون قادراً بحلول (2030) على الوفاء بالتزاماته تجاه التنمية العامة، بينما ترتفع نسبة الإنفاق على التعليم كل سنة ليصل نحو (6.2 في المئة - 8.3 في المئة) من الناتج المحلي مقابل (3.1 في المئة) في سنغافورة، و(1.3 في المئة) في الإمارات.
إن إصلاح التعليم بطبيعة الحال لا يأتي من فراغ أو بالتمنيات، وإنما لابد من تأسيس إرادة وقناعة لدى الحكومة التي بيدها الخطوات والتنفيذ والإنفاق في أنها مُساءلة أمام الناس عن أدائها وإنجازاتها. فالمشكلات القائمة في التعليم لا يمكن معالجتها إلا بإدخال إصلاحات جذرية تأخذ في الاعتبار أن إصلاح التعليم هو الحجر الأساس في التطور الاقتصادي وفي تقدم الدولة، وأن نجاح هذا الإصلاح مرهون بتوفير كل احتياجاته على المستويين التخطيطي والتنفيذي، وتأسيس نظام قادر ليس على التطوير فقط، وإنما حماية الأهداف العامة والسياسات المعلنة من العبث والخلل.