د. خالد الخاجة- البيان الاماراتية-
تابعت كما تابع أولياء الأمور وعشرات الأسر المقاطع التي تُصوّر حوادث اعتداء من معلمين على طلابهم في الفصول الدراسية واستهجنتها ورفضتها كما أنكرها غالبية من شاهدوها، سواء بين الناس أو المسؤولين والمعنيين في وزارة التربية التعليم، باعتبار أن ما أقدم عليه المعلم يتنافى مع أصول مهنة التدريس التي تتطلب من المعلم أن يحمل بين جنبيه صفات خاصة توهله للعمل بهذه المهنة، التي هي من أشرف المهن وأهمها، كيف لا؟ وهو من يربي أجيالاً في مراحل التكوين الأولى، والتجارب في السن المبكرة تحفر في الذاكرة طويلاً.
وعلى الرغم من الرفض الواسع الذي قُوبلت به هذه المقاطع إلا أنني أود استكمال بعض جوانب الصورة التي لم تُظهرها المقاطع المتداولة كوني والداً لأبناء في مراحل التدريس المختلفة، إضافة إلى عملي في حقل التعليم.
وأعود لأؤكد أن التصرف الذي قام به المعلم مرفوض مهما كانت المبررات التي دفعته للقيام به، ومهما كانت درجة الاستفزاز التي تعرض لها من طلابه، باعتبار أنه مربٍ قبل أن يكون معلماً، والمربي يجب أن يتحلى بصفات نفسية تفوق غيره، وما يقبل من غيره كرد للفعل في مختلف المواقف قد لا يقبل منه، كما لا يجوز للطبيب الذي يصاب بإرهاق في غرفة العمليات أن يدع الجريح ويستريح مهما بلغ به التعب، أو أن يغادر الغرفة عند حدوث نزف للجرح ويصاب بالهلع، شأنه في ذلك شأن المقاتل على جبهات القتال، يجب أن يجعل شرف المهنة يسمو فوق كل تصرف ينال من قدسية مهنة طالما نظر المجتمع لأصحابها ومازال بكثير من الاعتزاز والتقدير.
هذه الصورة التي لا يجب أن تهتز أو تشوه لتصرف هنا أو حادث هناك واعتباره تيارا عاما، وإلا فإننا بذلك نغمط جهود القطاع الأكبر من المعلمين الذين يبذلون الجهد والوقت في إمداد المجتمع بالخيرين من أبنائه، وتلك الصورة المشرقة عن علاقة الطالب بمعلمه المفعمة بالمحبة والمحاطة بسياج من الاحترام والتقدير، وإن شذ عنها البعض معلمين أو طلاباً.
لذا فإن هناك بعض الجوانب التي يجب النظر إليها بقليل من الهدوء حتى تكون نظرتنا جلية وحكمنا منصفا في عصر أصبحت فيه الصورة المرئية تلعب الدور الأكبر في تشكيل الرأي العام، وأصبحت ولم تعد فيه المؤسسات الإعلامية الرسمية وحدها تنتج المادة الإعلامية بالقواعد المهنية المتعارف عليها وأبسطها التأكد من مصداقية ما يتم نشره.
ولأن الأمر كذلك فقد يحدث الاستخدام غير الرشيد لهذه الوسائل فتختلط الصورة للدرجة التي يحدث فيها تشويش للرأي العام في ظل غياب آليات محددة يمكن التأكد فيها من مصداقية ما يتم نشره أو إذاعته، وفي حالتنا هذه لم ينف أحد ما حدث ولكن لم يخبرنا أحد عن المقدمات التي جعلت المعلم يصل إلى هذه الحالة المرفوضة، ولم يخبرنا أحد عن التصرف الذي قام به الطالب تجاه معلمه، فضلا على أن التصوير عبر الجهاز المحمول تم من قبل حدوث حالة التعدي على الطالب من قبل زملاء له، وكأنه كان هناك سيناريو معد للوصول بالمعلم إلى هذه الحالة، وعندما يصل به تلاميذه إلى نقطة الإثارة تقوم الكاميرات لتسجيل اللحظة، ثم لم يخبرنا أحد عن طبيعة سلوك الطالب المعتدى عليه مع زملائه ومعلميه، حتى ندرك طبيعة شخصيته ومستوى تحصيله العلمي وأسباب تعنيف المعلم له.
كما أنه من الأهمية بمكان، ونحن نتعامل مع هكذا موقف، أن نذهب بعيدا للرؤية بصورة أعمق لدراسة حجم الأعباء الملقاة على كاهل المعلم والضغوط المهنية، وبخاصة أن حالة المعلم النفسية لها تأثير على مستوى أدائه للعمل، وهناك دراسة علمية للباحث عدنان فرح تؤكد أنه ومن بين العوامل المسببة لإحباط المعلم وإجهاده النفسي تدخل الآباء في عمل المعلمين.
فكثير من الآباء يجادلون المعلمين في عملهم، ويخطئونهم في أساليب تعاملهم مع أبنائهم، ويتشككون في قدراتهم وكفاءتهم، مما يهز ثقة المعلم في نفسه، ويقلل من كون التعليم مهنة مغلقة ويحولونها إلى مهنة مكشوفة يتزاحم فيها غير المؤهلين.
وتؤدي هذه الضغوط إلى سلب المعلم هويته المهنية المتخصصة دون غيره من المهن الأخرى في المجتمع، وهو ما يؤكد أهمية مساندة المعلم حتى يؤدي دوره على الوجه الأكمل. كما أنه من الأهمية بمكان أن تغرس الأسرة في نفوس أبنائها احترام المعلم حتى تظل هيبته ومكانته الأدبية قوة رادعة تحول دون تكرار صورة لا نود أن نراها في مدارسنا، وأن تظل علاقة التلميذ بمعلمه بعيدة عن كل ما يشوبها، كما أسعدني أن تفتح وزارة التربية والتعليم خطاً ساخناً مع طلبة المدارس لرصد التجاوزات وإن كنت أود أن يفتح خط آخر مع المعلمين.
أعود فأكرر رفضي لسلوك المعلم، ولكل سلوك لا يليق أن يقع في محاريب العلم، غير أني أردت إلقاء الضوء ولو قليلاً على الوجه الآخر حتى تكتمل الصورة.