الراية القطرية-
أول رئيس لجامعة قطر بعد أن استقال مديرها المؤسس الدكتور محمد إبراهيم كاظم يرحمه الله، وأول دكتور قطري التحق بالجامعة من الذكور، كتبه وأبحاثه ومؤلفاته تعد ذخرًا للمكتبات في قطر والوطن العربي، يهتمّ بالمنظومة التعليمية على مستوى التعليم العام والجامعي، يحب البيئة البرية والبحرية وتعلم منها الكثير، كان يدرس بالولايات المتحدة وتركها للابتعاث إلى دولة عربية بعد حرب حزيران 1967 بين إسرائيل من ناحية ومصر وسوريا والأردن من ناحية أخرى، في عام 2003 تقدّم للجامعة لإحالته للتقاعد، ومنح رتبة أستاذ شرف في قسم أصول التربية بكلية التربية، يواصل الآن مسيرته التربويّة ويعدّ دراسة حول موضوع القسائم التعليمية وتأثير هذا النظام على ثقافة جيل المستقبل، يعتبر أن الواقع التعليمي اليوم شطر المجتمع إلى شطرين ثقافيين خطيرين أحدهما يعمل على تعزيز الثقافة العربية وفضائها الإسلامي والآخر يعزز الثقافة الغربية، ينصح الشباب بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وممارسة الرياضة والقراءة لإنارة العقل، هو الدكتور عبد الله جمعة الكبيسي التقيناه وكان لنا معه الحوار التالي:
بداية حدثنا عن مراحل التعليم العام التي مررت بها؟
- أنا من جيل الأربعينيات، وهذا الجيل تعلم من البيئة التي حوله، فالبر وما يضمّه من عناصر متعدّدة من نباتات وشجيرات وأنواع مختلفة من الحيوانات والطيور والسحالي والحشرات، والبحر وما يزخر به من أسماك وشعاب مرجانية، تلك البيئة من بر وبحر هي المصادر التعليمية التي من خلالها تعرفنا على مكنونات بيئتنا الطبيعية.. وكان للقرى في قطر دور كبير في تنشئة تلك الأجيال على العادات والأخلاق الاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد في المنظومة الاجتماعية، وكانت الأسر في تلك الحقبة لها الدور الأكبر في تعليم أبنائها من خلال المشاهدة والمحاكاة، فالطفل يتعلم السباحة والغطس بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في الكتاتيب المنتشرة في جميع القرى.
وماذا أعطتك تلك البيئة؟
- عشت في تلك البيئة وتعلمت منها الكثير ولها الفضل فيما أنا عليه اليوم من حب واهتمام بالحياة البرية والبحرية على حد سواء بالإضافة لفخري واعتزازي بالعادات الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية التي اكتسبتها منذ الصغر.
وكيف كان التعليم النظامي؟
- حصلت على الشهادة الابتدائية من مدرسة البدع التي سميت بعد ذلك باسم مدرسة عمر بن الخطاب، وكان ذلك في عام 1959-1960من خلال الدراسة المسائية، لأنني كنت قد توظفت في وزارة المعارف في قسم التغذية في عام 1958، وواصلت دراستي المسائية كذلك في مدرسة قطر الإعدادية حيث حصلت على الشهادة الإعدادية عام 1962-1963 وفي عام 1960 حصلت على الشهادة الثانوية من نفس المدرسة لأن بها شعبة للدراسة الثانوية 1966.
وماذا عن الدراسة الجامعية؟. وما هي أهم المحطات؟
- بعد حصولي على الشهادة الثانوية تقدمت لإدارة البعثات فتم ترشيحي للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك مفاجأة لي لأن رغبتي التي سجلتها كانت للدراسة في إحدى الجامعات في الدول العربية، لكن إدارة البعثات أصرّت على ذلك وحددت لي الدراسة بإحدى الكليات في مدينة بالقرب من مدينة هيوستن بولاية تكساس وقد استقبلت عائلتي خبر ترشيحي للدراسة في أمريكا بمشاعر ملؤها الخوف لأن السفر إلى أمريكا في تلك الفترة يعني الذهاب إلى المجهول، ولم أكن أفضل منهم حالاً، إذ كانت لغتي الإنجليزية ضعيفة جدًا وخبرتي في مجال السفر بالطائرة ومعرفة إجراءات التعامل في المطارات تكاد تكون معدومة، وعندما حان موعد السفر كانت والدتي رحمها الله تدعو لي بالتوفيق والعودة سالمًا وهي تخبئ دموعها حتى لا تثبط عزيمتي.
وما المعوقات التي اعترضت سبيلك في أول سفرة لك لأمريكا؟
- بعد رحلة شاقة وصلت إلى مدينة "باي تاون" ولم يكن هناك ملحق ثقافي لدولة قطر يرعى شؤون الطلاب، بل ترك الأمر لكل طالب أن يدبّر إجراءات التسجيل بنفسه، وعندما ذهبت للتسجيل في برنامج اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها أخبرت بأن هذا البرنامج غير موجود واقترحوا عليّ أن أسجل في مادتين هما الرياضيات ومادة الأدب الإنجليزي، واضطررت للجوء إلى الاستعانة بمدرس خاص لدراسة اللغة الإنجليزية، وقبل انقضاء الفصل الدراسي، قمت بمراسله مكتب الملحق الثقافي السعودي في نيويورك لتزويدي بأسماء المعاهد التي تدرس اللغة الإنجليزية، وكانت استجابة الملحق الثقافي آنذاك سريعة، حيث أرسل لي قائمة بالمعاهد التي يتعاملون معها، واخترت معهدًا في جامعة لورنس كنساس.
التحقت بالمعهد، وحصلت على قبول من عدّة جامعات لأن لغتي الإنجليزية كانت على مستوى يؤهلني للدراسة الجامعية، ووقعت حرب حزيران 1967 وظهر العداء الأمريكي على حقيقته المناصرة دائمًا للعدوان الصهيوني على الأراضي العربية، تلك الحرب المشؤومة وتداعياتها على الوطن العربي، أثرت على مشاعري، فكتبت رسالة إلى مدير المعارف أطلب فيها إنهاء بعثتي في أمريكا والعودة والالتحاق بالجامعات العربية وجاء الرد سريعًا بالموافقة.
وأين كانت بعثتك الثانية للتخصص ومتابعة الدراسات العُليا؟
- عدت إلى قطر وفرح الأهل بعودتي سالمًا، والتحقت بجامعة الكويت في عام 1967 وتخرجت منها في عام 1971 بتقدير جيد جدًا في تخصص التربية والفلسفة وعلم النفس والاجتماع، وعملت موجهًا للاجتماعيات للمرحلة الابتدائية من عام 1971-1973 وعندما أنشئت كلية التربية تمّ اختياري معيدًا في عام 1973، ثم التحقت بالدراسات العليا لنيل درجة الدكتوراه في جامعة درهام بالمملكة المتحدة البريطانية حيث تمّ قبولي في عام 1975 وحصلت على درجة الدكتوراه في عام 1979 في تخصص فلسفة التربية وكان موضوع رسالة الدكتوراه يتعلق بتطور تاريخ التربية في دولة قطر من عام 1950 - 1977 مع تحليل لبعض المشكلات التربوية.
وماذا عن المهام والمناصب التي أسندت إليك على مستوى جامعة قطر؟
- عندما عدت للجامعة كنت أول دكتور قطري من مبعوثي الجامعة من الذكور، حيث سبقتني بالحصول على درجة الدكتوراه كل من الزميلتين الدكتور جهينة سلطان العيس والدكتورة لطيفة الحوطي اللتين كان لهما دور مشهود في خدمة الجامعة وتطويرها.. والتحقت بقسم أصول التربية كأحد أعضاء هيئة التدريس، حيث قمت بمهام التدريس في مقررات تاريخ التربية وأصول التربية والأصول العامة للتربية والتربية ومشكلات المجتمع ومناهج البحث العلمي.. وفي عام 1979 تمّ اختياري مقررًا للمكتب الفني للتطوير الجامعي بالإضافة إلى مهام التدريس، وفي عام 1980عينت مساعدًا لمدير الجامعة، حيث توليت مهام عديدة داخل الجامعة لا يتسع المجال لذكرها بالتفصيل في هذا المقام، وفي عام 1986-1994توليت مهام رئيس الجامعة بعد أن استقال مديرها المؤسس الدكتور محمد إبراهيم كاظم يرحمه الله، وبعد انتهاء فترة عملي من رئاسة الجامعة، عدت من جديد لمهام التدريس في قسم أصول التربية، حيث حصلت على درجة أستاذ عام 1999 وفي عام 2003 اضطرتني الظروف المستجدة في الجامعة للتقدّم لإحالتي على قائمة المتقاعدين، ومنحتني الجامعة مرتبة أستاذ شرف في قسم أصول التربية بكلية التربية كما هيأت لي مكتبًا خاصًا فيها.
وماذا عن أهم الذكريات في الجامعة؟
- جامعة قطر لها مكانة خاصة في وجداني، فقد تعلمت منها الكثير، من حيوية طلابها وخبرة أعضاء هيئة التدريس ونشاط العاملين من موظفين وإداريين ومن ندواتها ومؤتمراتها العلمية ونشاطاتها الرياضية وفعالياتها الفنية والاجتماعية، وكلما تجوّلت في جامعة قطر تداعت في ذهني الذكريات من خلال شريط متصل تعبّر كل لحظة فيه عن جزء من تاريخ هذه الجامعة التي نراها اليوم قد كبرت في حجمها المادي والبشري، وفق الله كل العاملين في الجامعة وسدّد على طريق الحق خطاهم "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
وبالنسبة لإنتاجك العلمي وأهم أبحاثك؟
- قمت بالعديد من البحوث منها نظرة تحليلية لجهود جامعة قطر في مجال تطوير أداء الأقسام الأكاديمية 1992-1994حولية كلية التربية، دور المدرسة والجامعة في الوقاية من المخدرات نشر في مجلة كلية التربية جامعة الأزهر، بالإضافة إلى عرض وتحليل بعض الجوانب التاريخية لجامعة قطر مع اقتراح عناصر خطة عمل للتطوير المستقبلي، ومحاولات إصلاح نظام التعليم في دولة قطر، المكانة الاجتماعية للمعلم في دولة قطر دراسة وصفية نقدية تحليلية مقارنة، التربية في حضارات الشرق الأدنى القديم المصرية واليهودية والفارسية رؤية تحليلية كباحث رئيس.
وهناك العديد من البحوث المنشورة كدراسة لواقع إعداد المعلم بدول الخليج، ودراسة لواقع الإدارة التعليمية في دولة قطر كباحث رئيسي، ودور مؤسسات التعليم العالي في التنمية الاقتصادية للمجتمع ودراسة تحليلية لبعض السياسات التربوية الخاصة بإعداد المعلم بدولة قطر باحث مشارك ودراسة استطلاعية لمشروع التعليم التقني في جامعة قطر باحث رئيسي.. كما أعددت الإستراتيجية الوطنية لتقدّم المرأة في دولة قطر بتكليف من المجلس الأعلى لشؤون الأسرة والإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات بدولة قطر بتكليف من اللجنة الدائمة لشؤون المخدرات والمسكرات وزارة الداخلية.
وماذا عن الكتب والمؤلفات؟
- الكتب أهمها النظام التعليمي في دولة قطر: التعليم لمرحلة جديدة (قضايا وتعقيبات)، ظاهرة المخدرات في مجلس التعاون لدول الخليج العربية (دولة قطر دراسة حالة).
وعلى ماذا تعمل الآن؟
- أحاول الآن إعداد دراسة حول موضوع القسائم التعليمية وتأثير هذا النظام على ثقافة جيل المستقبل، لأن الواقع التعليمي اليوم بكل تناقضاته من نتائجه المباشرة شطر روح المجتمع إلى شطرين ثقافيين خطيرين، أحدهما يعمل على تعزيز الثقافة العربية وفضائها الإسلامي والآخر يعزّز الثقافة الغربية وفضاءها الكهنوتي، لأن النظم التربوية غير محايدة عن المستوى الثقافي.
وماذا تقول لشباب المستقبل؟
- الشباب هم الثروة البشرية الغالية، لن أقدّم الكثير من النصائح، لكن الخبرة والمسؤولية تقتضي أن نقول بعض الأشياء التي تساعد أبناءنا على التمثل فيها في ظل الانفجار المعرفي الذي نعيشه اليوم.. لا شك أنه يُتيح فرصة هائلة، وأتمنّى على الشباب أن يستفيدوا منها في تنمية معارفهم ومداركهم العلمية لا أن يستخدموا هذه الأجهزة الحديثة في البرامج الترفيهية والمسلية فقط، كما أتمنى على أبنائنا أن يمارسوا الرياضة لأنها تساعد جيل الشباب على تفادي الكثير من الأمراض، كذلك أتمنّى عليهم القراءة لأنها مفتاح ليس فقط للاطلاع على الخبرات والثقافات وإنما هي مفتاح لإنارة عقل الإنسان.