ثقافة » تربية وتعليم

المدارس الخاصة .. وجودة التعليم في قطر

في 2015/11/02

د.أحمد جاسم الساعي- الشرق القطرية-

"جيناك يا عبدالمعين تعين، لقيناك يا عبدالمعين تبي معين"مثل شعبي دارج يُضرب في مواقف الاستعانة والاستغاثة بالغير دون جدوى، مما يدل على خيبة الأمل. وهذا هو حال المجلس الأعلى للتعليم مع المدارس الخاصة، حيث الاستعانة بها في المساهمة في تطوير العملية التعليمية، والارتقاء بها وتحسين مخرجاتها، وحمل بعض الأعباء التعليمية، ولوبأيد خاصة وتعليم خاص، وفكر خاص قد لا يتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع، وقيمه وأعرافه السائدة، وإنْ تَغَطى هذا النوع من التعليم أو الفكر، وتَغَلف بعلاف الدين واللغة العربية، فهو غلاف خارجي سطحي لا يعكس مضمون المحتوى الداخلي للبرنامج التعليمي المعتمد في بعض هذه المدارس الخاصة.
ولم تكتفِ المدارس الخاصة بعدم حل المشكلات التعليمية، أو مجرد الإسهام في حلها، وتحمل المسؤولية في حمل أعبائها الثقيلة، بل أسهمت بعض هذه المدارس بشكل مباشر أو غير مباشر في تفاقم المشكلة، وزيادة معاناتها مثل تحويل الطلبة الضعاف إلى المدارس المستقلة، وفقا لآراء بعض التربويين (جريدة الراية، 20 أكتوبر 2015)، بدلا من الأخذ بأيدهم، ومساعدتهم في تخطي العقبات التعليمية، واجتياز الصعاب التي تواجههم بين أسوار تلك المدارس.
ويأتي ذلك استخلاصا مما نشرته صحيفة الراية القطرية في عددها رقم 12218، الصادر يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 من تحقيق صحفي تعلق بفشل المدارس الخاصة في تحقيق المعايير الوطنية للحصول على الاعتماد الوطني على أقل تقدير لدخولها ضمن المدارس المشمولة بالقسائم التعليمية (أو الكوبونات التعليمية)، والذي احتوى على آراء فئة من الخبراء والتربويين حول أسباب أخفاق هذه المدارس في تحقيق معايير المجلس الأعلى للتعليم المتعلقة بجودة الأداء التعليمي ومخرجاته النهائية.
ونتيجة لذلك، فقد عبر الكثير من المثقفين والتربويين عن استيائهم من الأداء المتواضع لهذه المدارس الخاصة التي لم تسهم بشكل فاعل في تحسين مخرجات العملية التعليمية على الرغم من ارتفاع رسومها التعليمية المتزايدة التي تفرضها على أولياء الأمور، مرجعين السبب في ذلك الإخفاق إلى عوامل إدارية، وفنية، وتعليمية، ناهيك عن عدم اكتراث بعض هذه المدارس بالنتائج ما دامت الخزينة ممتلئة، والرسوم في ارتفاع مستمر سنة بعد أخرى، ودون توقف، وبموافقة ودعم وتأييد المجلس الأعلى للتعليم، ومباركته لأي نوع من هذه الزيادة في الرسوم. فكيف لا والعوائد والفوائد تتضاعف بمرور الزمن، فلِمَ الاكتراث والاهتمام، والهم والغم، ووجع الرأس إذن، ما دامت الأمور تسير على ما يرام في جني الثمار، وكسب الكثير من المال، وخصوصاً أنها بطبيعتها، مدارس تجارية ربحية في المقام الأول.
وقد تنوعت عينة التحقيق الصحفي حيث جمعت بين المثقفين والتربويين، وأصحاب التراخيص، ورجال التربية السابقين، والخبراء المعنيين، مما يعكس مصداقية الرأي والاتجاه نحو هذه الظاهرة نوعا ما، والذي بدوره يضمن موضوعية النتائج المتمثلة في الآراء المستنبطة من التحقيق، التي أجمعت على أن الأسباب تكمن في ضعف الرقابة، والمتابعة المستمرة من قبل هيئة التعليم لأداء هذه المدارس، ونتائج تقييمها السنوي. فقد أشار أفراد عينة التحقيق بأن السبب الأول وراء ضعف مستوى المدارس الخاصة هو ضعف الرقابة من المجلس الأعلى للتعليم على أداء هذه المدارس من الناحية الإدارية والعلمية والفنية المتمثلة في فنيات التدريس وجودته، ولذا، فقد جاءت المطالبة بتشديد الرقابة والمتابعة المستمرة لأداء هذه المدارس من جهة، وتقييم الكادر التدريسي في هذه المدارس الخاصة أسوة بزملاء مهنتهم في المدارس المستقلة من جهة أخرى.
وإحقاقا للحق، فلهذه الآراء ما يبررها ويسندها، وخصوصا عند المقارنة بين حجم المتابعة المطوب، في ظل عدد المدارس الخاصة، وحجم المتابعة المتاحة في ضوء إمكانيات وقدرات الجهة المسؤولة عن هذه المتابعة. فبالموازنة بين طرفي المعادلة من حيث الحجم والإمكانيات، فلاشك أن هناك تقصيراً واضحاً من الجهة المعنية بالمتابعة والرقابة. فإمكانيات مكتب المدارس الخاصة لا تتوافق مع حجم العمل الرقابي المطلوب من النواحي الإدارية والفنية والتعليمية. فحجم المكتب مثلا من حيث عدد كوادره البشرية لا يمكن أن يغطي استحقاقات المتابعة والرقابة المهنية الضرورية لكل هذه المدارس التي تفوق في عددها عدد المدارس الحكومية المستقلة، فعدد المدارس الخاصة بكل مراحلها التعليمية العامة، يصل إلى 242 مدرسة خاصة وروضة أطفال (الراية، الثلاثاء 20 أكتوبر 2015)، فمن أين سيجد المكتب المعني الوقت الكافي، والجهد الكافي، والعدد الكافي من القوى البشرية لتغطية هذه المتابعات والرقابات الفنية المهنية، فالتقصير بلا شك واقع وملموس، ولا يمكن إنكاره، والتغافل عنه، والمكابرة عليه بأي حال من الأحوال.
ولكن على الرغم من الإجماع على أن سبب فشل المدارس الخاصة في تحقيق المعيار الوطني هو ضعف الرقابة، والمتابعة من الجهات المهنية، إلا أنه ليس هناك إجماع على أنه السبب الوحيد، فهناك إشارة إلى أن هناك أسباب أخرى تقف خلف الفشل في تحقيق المعيار الوطني مثل تصميم المباني المدرسية غير المطابقة للمواصفات المطلوبة، وربما حجم المدرسة، وعدد الطلبة، وعدد المستويات التعليمية، وربما ايضا نسبة عدد المعلمين إلى نسبة عدد الطلبة، وغيرها من الأسباب التي قد تحول دون تحقيق المعيار الوطني في شمولية المدارس لاستحقاقات القسائم التعليمية.