ثقافة » تربية وتعليم

مكانة المعلم

في 2015/11/06

هشام صافي- الخليج الاماراتية-

نعترف بداية أن المعلم فقد المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها قبل عدة عقود من الزمان، يوم أن كانت تحكمنا علاقات القبيلة والأسرة والعائلة، وكانت للأشياء خطوط فاصلة تحدد مكوناتها ولا تسمح بالضبابية أن تلفها أو أن تشوهها، وحتى الآن يبدو أن استعادتها أمر شديد الصعوبة، لأن الأسباب التي أدت إلى اهتزاز المكانة والصورة الناتجة عنها موجودة، ولا شيء في الأفق يشير إلى أنها في طريقها إلى زوال، أو على الأقل للاضمحلال.

مكانة المعلم في صفه ومدرسته تغيرت إلى الأسوأ، وباتت علاقته مع الطالب الذي يعلمه غير قويمة، وفقد مكانته الجليلة واحترامه الكبير وهيبته غير المحدودة لا بالزمان ولا المكان، فتجرأ عليه هذا الصغير ورفع صوته في وجوده، وتحدى، وتلفظ بألفاظ خارجة عن الحدود الأخلاقية، وكان ختامها طامة كبرى، يوم أن بدأت الاعتداءات الجسدية على المعلمين تجد طريقها إلى علاقة الطرفين.

هذا الوضع الذي لا يحسد المعلم عليه - وهو بالمناسبة ليس محلياً فقط - ولد وترعرع في كياننا الاجتماعي الأساسي وهو الأسرة، بسبب عوامل اجتماعية متغيرة طرأت على أدوار اللاعبين الأساسيين فيها:

الأب نفسه بات في بعض الأحيان لا يستطيع السيطرة على أبنائه، وفقد الكثير من هيبته التي كانت تعرف عن الآباء والأجداد، بسبب عوامل مختلفة، وفاقد الشيء لا يعطيه، وانعكس اهتزاز صورة المربي والقدوة على تعاملات الأبناء خارج إطار الأسرة، وطال من ضمن ما طاله المعلم، الذي ساعد هو أيضاً على التغيير الذي حدث، كما أن اهتمامات رب الأسرة خارج نطاق جدران بيته، والتي فاقت ما بداخله، جعلته بعيداً إلى حد ما عن أبنائه، وجديدهم في حياتهم، وصحبتهم، ومستوى سلوكياتهم.

الأم التي يفترض أن تكون على اطلاع على ما لم يستطع الأب الحاضر الغائب أن يراه، هي أيضاً شبه غائبة عنه، لأسباب، منها أنها قد تكون تمارس عملاً وظيفياً حكومياً أو خاصاً فتغيب عن البيت عدة ساعات، تعود بعدها لمحاولة التعويض عمّا فاتها، فيكون نصيب الابن من وقتها أقل، كما أنها لا تستطيع تتبع خطواته خارج البيت، ولا معرفة رفاقه.

والأسرة التي استعاضت عن الأم بخادمة، والبعض يسميها «مربية» للأسف، تعاني سلبيات هذه الدخيلة على عادات وتقاليد المجتمع، ومبادئه وقيمه وسلوكياته، ومنها أنها تتمكن من غرس بعض من مفاهيمها في نفوس الصغار واليافعين، بوعي أو بدونه، والنتائج تكون مدمرة لصغار يُرتجى منهم أن يكونوا في مقبل الأيام جيل الغد الذي سيبني ويكافح ويحقق ما لم نستطع تحقيقه.

العوامل المسببة لاهتزاز صورة المعلم ومكانته كثيرة ومتفاوتة التأثير، تنطلق من الأسرة، وتطاله، وتتفاعل مع المحيط المدرسي الذي يحتوي أيضاً من الثغرات، ما يساعد على فقد المعلم هيبته.

وشبابنا الصغار يجب أن يقتنعوا بأن الاحترام والتقدير والتبجيل يجب أن يكون عنوان نظرتهم لمعلمهم، وطرق تعاملهم معه، حتى يستمر في عطائه المخلص من أجل أن يكونوا علماء الغد.