علي القاسمي- الحياة السعودية-
تتلذذ بالتفاعل الشعبي إزاء أي تغيير، وتؤمن من بعدها وقبلها أن ذاكرة السعودي لم تعد هشة، بل هي نموذج مختلف في استحضار الدقيق من التفاصيل، والتفتيش الدقيق الممل في ما يمكن أن يصنع له بقعة ضوء وخريطة تفاؤل مصغرة. وزارة التعليم تحظى برصيد هائل من الاهتمام والحظوة الجماهيرية لما يطاولها من أفكار أو مبادرات وحماسة للتغيير ولو على صعيد حاملي حقيبتها الوزارية، ذاك لأنها تسكن كل بيت بشكل أو بآخر، وتليها وزارة الصحة، تلك التي تعيش حالاً من الهدوء القابل للتحول عاصفة في أي لحظة، والوزارات الأخرى مصحوبة بمراحل متذبذبة وموقتة من الحماسة والتفاعل والقراءة العابرة لشيء من الهوامش والأفكار.
غادر مساء أول من أمس عزام الدخيل في لحظة هادئة ومبكرة إن صحت العبارة، ونحن للأمانة شعوب سريعة الطي للصفحات، لكننا نملك قدرة بديعة على سحب المربك منها والمقلق والمناسب والجائز أيضاً في أي لحظة، ننسى سريعاً مجمل الصورة ونتذكر -بشكل مستدع للدراسة والاستغراب- أدق الكلمات إن كانت ستخلق جواً من الدراماتيكية والسخرية والضجيج، نحب بعاطفة ونكره بعاطفة بحتة أيضاً، ولا مجال لتكوين خليط عاطفي عقلي في أسوأ الأحوال، لأننا نتاج أفعال عاطفية بحتة. وفوق كل هذا، فإن النسيان التدريجي للمغادر عائد لاستحواذ القادم أو الوجه القديم المتجدد لحبال التفكير وعضلات اللسان ومعهما خيوط الشك واليقين المتشابكة للحد الذي نعلم معه قطعاً أنه لن يرضينا أي وزير ولو أوكلت إلينا مهمة تفصيله على المقاس والمزاج.
يأخذ منا القادم على الكرسي رغبة الدوران للخلف واستعراض السيرة والخطوات وتجارب الحياة العملية ومن ثم نفتح معها لا معه كتاب المستقبل ورقة ورقة لنمضي في هذا السيناريو مع جمل الخوف والرهان والقلق والتوقع والتنبؤ، وكلها مفردات تغلّب شقيقتها الكبرى "التخوين" على أي مفردات أخرى.
الوزير القادم أحمد العيسى يحضر في المشهد المحلي بخلفية أحاديث تلفزيونية وجملة من الكتب المثيرة ذات العلاقة بواقع التعليم وحكايته الطويلة مع الشد والجذب وتأثير الكاريزما والقرارات على صلاح شعب، أشهر كتب الوزير الجديد كان «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية»، والعنوان وحده كفيل بأن تتحول الوزارة برفقة وزيرها الحالي لحفلة من الصراعات والصدامات والتصنيفات بالغة القسوة والألم، لأن الغياب هجومي بحت، والتوجس صريح حد الحسرة، فيما يقف العجز كعلامة استفهام بالغة القسوة، حزين لا على التغيير بعينه فهو فعل إداري ناضج ومتوقع الحدوث بعيداً من أي تداعيات أخرى، إنما لإيماني بأن وزارة التعليم ستسحبها حمى التهم وتقاذف الكرات الثقيلة ومحاولة تفتيت الجهود إن لم تكن على خط الرضا العام، حزين لأن الوزير الجديد سيظل في حرب طاحنة مع الذين سيحاسبونه تحت تأثير ما قيل في كتاب أو حديث سابق أو تغريدة لحظية مبنية على موقف وتفاعل، سنضيع أشهراً قادمة في مماحكات لا طائل منها، وتذكير بمن مضوا، ومقارنات سريعة التحضير، وعمل دؤوب معتل لجمع سلة من الحقائق والكتابات والآراء ثم تفكيك العصي منها وتعزيزه بالشك لا اليقين، وعلى ذاك فالوزارة تقف على زاويتين، أولى حادة لن تقبل إلا المضي في تغيير حقيقي لم يُلمس من قبل ولا أظنه سيلمس في القريب لكثرة القوى المناهضة للتغيير، وأخرى منفرجة وهي التي تضع خطط التغيير على الورق وتسير بها في حملات تأييد وجس نبض بطيئة والاتكاء على رضا الغالبية ثم تخرج بها في الوقت الضائع وحينما يكون الوزير على وشك المغادرة. إنها حكاية التعليم وإن أوجعت!