ثقافة » تربية وتعليم

درس خصوصي

في 2016/01/05

عبدالله بن سالم الشعيلي- عمان اليوم-

« مدرس رياضيات خبرة 20 سنة في تدريس المادة لجميع المستويات، للتواصل …» مررت على هذا الاعلان ملصوقا على عمود إنارة، ورأيته ثانية ملصوقا على واجهة محل للحلاقة قريب من مدرسة ثانوية، ووصلني مرة برسالة نصية في احدى المجموعات لأجدني محاصرا بصاحب هذا الرقم الذي أخبرني بعد اتصالي به من أن درسا خصوصيا لمدة ساعة يمكن أن يكلفني عشرين ريالا للمرة الواحدة، فحاولت أن أجادله بلغة الأرقام التي هو خبير بها فأجابني أن ليس لديه كثير وقت ليضيعه في ثرثرة لا طائل منها وإن قبلت برقم ساعته فعلي معاودة اتصالي به. في السابق كنا نسمع عن مدرس خصوصي يعطي دروسه في الخفاء بعيدا عن الأضواء، واليوم المدرس ذاته يعلق اعلانه في عمود إنارة ليرى الناس كلهم خدماته الجليلة التي يقدمها للمجتمع وأبنائه، وبالأمس يوم كنا صغارا نعيب على من يأخذ درسا خاصا ونعتبره من قليلي الفهم، واليوم صرنا بأنفسنا نبحث لأبنائنا عمن يعينهم على فهم ما لم يفهموه في حصص المدرسة وكأن المناهج قد تغيرت أو أن علوما أخرى قد أدخلت وزيدت عليها.
ما أعرفه أن الوزارة المعنية بأمر التعليم قد صنفت هذا النوع من الدروس بأنه تجارة مستترة يجب أن يحارب ممتهنها ومتعاطيها والمستفيد منها ولكن ما نراه على أرصفة الشوارع وحواريها أن هذه الوزارة لا يزعجها حقا هذا الأمر ،بل لربما هي تبارك هذا النوع من الدروس الذي يسهم في خلق جيل متعلم مرتين الاولى في المدرسة والثانية في البيت وأنها تغض الطرف كله أو بعضه عن تلك الممارسات التي يستفيد منها جميع الأطراف الطالب وولي أمره والمدرس وربما يستفيد منها الوطن بصورة غير مباشرة. لنرجع قليلا الى الوراء وندخل في تاريخ الدروس الخصوصية ومتى بدأت في غزو بلادنا ومن كان الغازي والأثر الذي أحدثه هذا الغزو في ثقافتنا التعليمية وكيف هو حال هذا الجيل الذي أدمن على هذه الدروس ولم يستطع الاقلاع عنها لنجد أن هذا التاريخ حسبما يرجعه المؤرخون الى بداية تسعينيات القرن المنصرم عندما بدأت جودة التعليم الحكومي تقل وبدأ بعض ممن استعانت بهم وزارة التربية من الوافدين مساعدتها في تعليم أبنائها بنشر ثقافتهم التي تربوا عليها وأتوا بها من أوطانهم من باب نقل الخبرات والمعارف الى البلاد التي قدموا اليها ليبدأ بعدها مصطلح « درس خصوصي» في الدخول الى سبلة البيت العماني وتجد المدرس الوافد يعطي دروسا للطالب العماني في مادة لم يستطع المدرس كما يقول الطالب ايصال المعلومة اليه. ولم يقتصر أمر غزو الدرس الخصوصي على ذلك بل تعداه الى أن تقام فصول بأكملها في شقق مستأجرة مخصصة لهذا الغرض استأجرها مدرس بمهنة مستعارة في بطاقته كي يسهم في تعليم أبنائنا العلوم الحديثة ولو في شقة مستأجرة. لو ولينا وجهنا شطر الغرب وسبرنا غور تجربته التعليمية لما وجدنا لديه مثل هذه الدروس،ولعرفنا أن الطالب يقضي ساعات يومه في مدرسته متنقلا بين فصله ومكتبته ومعمله ومرسمه وملعبه ،ولوجدناه يقضي جل وقته عند أوبته من فصله في استذكار دروسه وأداء فروضه ويساعده في ذلك والداه قدر الامكان ،ولوجدنا أن لدى الغرب الكثير من الوسائل التي تعين الطالب غير المجد في استذكار دروسه غير الدرس الخارج عن المدرسة.