سلطان فيصل الرميثي-
تطلب مناهجنا التعليمية أن يجري الطالب بحثاً علمياً يعزّز فهمه للمادة الدراسية، وللأسف يلجأ الطالب لشراء تلك البحوث الجاهزة من المكتبات، والمفارقة الغريبة أن هذا الطالب نفسه يدخل الإنترنت ويشاهد قنوات «اليوتيوب»، ليجري بحثه الخاص عندما يود التعرف إلى البرامج والألعاب الإلكترونية واكتشاف خصائصها وطريقة استخدامها، هذه الظاهرة ذكرتني بمقولة للفيلسوف الأميركي تشومسكي، في أن «التعليم هو نظام لفرض الجهل»، عبارة تحمل في طياتها كثيراً من السوداوية لو فصلت عن سياقها العام، حيث يشرح تشومسكي في أحد الحوارات كيف صممت الأنظمة التعليمية في العالم لتجعل الطلاب أكثر طاعة وانقياداً للأوامر والتعليمات، ما يعني أنها تمنع الطفل من التفكير المستقل وتقتل روح الإبداع فيه، بالنسبة لكثيرين فهذا الأمر قد يخلو من المنطق، فالطالب يتزوّد بالعلم والمعرفة أثناء دراسته، غير أن القضية هنا لا تتعلق باستخدامه للشهادة الجامعية في إيجاد فرصة عمل، بل في استخدام المعرفة ذاتها، فمهما بلغت كمية المعارف والمعلومات لن تكون مجدية إذا وضعت في وعاء لا يمكنه معالجتها والاستفادة منها.
نشرت صحيفة «الغارديان»، أمس، تحقيقاً تنتقد فيه نتائج التقرير السنوي للأداء التعليمي في بريطانيا، الذي ركز على الجانب المعرفي، وأهمل التطرق إلى الأنشطة المدرسية، مثل الموسيقي والفنون والدراما المسرحية، ووصف المعرفة بأنها مهمه، ولكن ليست كافية وحدها لفتح عقول المواطن البريطاني في المستقبل، ومن المرجح أن تسبب نتائج عكسية بالنسبة لبعض الأطفال.
يتعهد النظام التعليمي في العالم بتأهيل الطلبة وإعدادهم ليكونوا في طليعة نخبة العلماء والمفكرين، ويدفع بهم نحو تحقيق العلامات الكاملة والتفوق، ويصنفهم على أساس ذلك، ولعل من أهم التغيرات التي يجب أن تطرأ على النظام التعليمي، هو التخلي عن هذه الوعود والتركيز على تخريج الطالب ذي الشخصية القوية المتزنة القادرة على العمل والإنتاج.
إن الحديث عن استشراف المستقبل وخطط لما بعد مرحلة النفط لا يرتبط بتطوير مناهج التعليم، أو وسائل التعلم أو مصادر المعلومات فقط، فلا أفضلية لاستخدام أجهزة «آي باد» بدلاً عن لوحة الطباشير، التي مازالت مستخدمة في اليابان إلى الآن، فالقضية ترتبط بصناعة شخصية الطالب أولاً وأخيراً، من خلال اكتشاف مواهبه وميوله ورغابته، ثم تعزيز ثقته بنفسه والتعامل معه على أساس أنه شخص مستقل يمكنه طرح الأفكار والتحاور معه.