سلمان سالم- الوسط البحرينية-
بعد أيام قليلة يبدأ الفصل الدراسي الثاني، ومن المؤمل أن تكون وزارة التربية والتعليم في كامل استعدادها لاستقبال طلبة وطالبات المدارس والمعاهد والجامعات، وألا نجد مدارس أو معاهد مهنية تعاني من نواقص في كوادرها الإدارية والتعليمية وفي بيئتها التعليمية والتدريبية، كما وجدناه في الفصل الدراسي الأول في بعض المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، وأن تعمل بجدية حقيقية في تحسين أداء الغالبية العظمى من المدارس الحكومية والخاصة التي حصلت على تقديرات «غير ملائم» و«مرضٍ» في آخر تقييم للهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب، وأن يكون هدفها تطوير مهارات وقدرات الطالب في الحوار والاستنباط وتحليل الأفكار وإبداء الرأي في مختلف القضايا التعليمية دون خوف ولا وجل، وإشراكه في استخراج النتائج، والابتعاد عن التلقين الذي يشلّ عقول الطلبة ويحدّ من تفكيرهم وقدراتهم العقلية، وعدم استخدام العقاب الجزائي الذي أكل الدهر عليه وشرب.
يدهش التربوي الواعي كثيراً، عندما يجد في بعض المدارس الابتدائية والإعدادية خصوصاً أنه مازال يعاقب الطالب المقصر بأساليب قديمة جداً، رغم أن هذه الأساليب البالية أثبتت ومنذ سنوات بعيدة عدم جدواها في تحسين مستوى الطالب التعليمي، ناهيك عن الجودة، على سبيل المثال، في حال تخلف الطالب عن حل واجباته البيتية، يعاقب بكتابة الدرس عشر أو عشرين مرة بيده، على رغم معرفة من يستخدم مثل هذا الأساليب غير التربوية أنها ليست فيها أدنى فائدة معرفية ومعلوماتية للطالب ولو بنسبة متدنية، في حالات كثيرة قد يؤدي استخدامها إلى تدني مستوى الطالب بنسبة كبيرة.
فرجال التربية يؤكدون على تحديد الخطوات اللازمة في حال أرادت وزارة التربية والتعليم وضع استراتيجية تربوية واضحة لتطوير التعليم تطويراً حقيقياً، ومن أهم متطلبات تطوير التعليم، تطوير المناهج الدراسية، بحيث يتوافق مع متطلبات عصر التكنولوجيا والألفية الثالثة، وهذا يتطلب منها الاهتمام الجدي بنتائج الامتحانات التقييمية الوطنية، والاعتماد على التغذية الراجعة الآتية من الميدان التعليمي، وهذا المطلب لا يتحقق إلا إذا جعلت المعلم شريكاً حقيقياً في كل خطوات التخطيط والتطوير أولاً، ومواكبة المستجدات التعليمية العالمية ثانياً، والتركيز على مهارات التفكير والقيم المجتمعية الوطنية والتعددية ثالثاً، وخطة استراتيجية مدروسة يشارك في وضعها كفاءات وخبرات تربوية واجتماعية وإنسانية ووطنية رابعاً، وتطوير مراكز مصادر التعلم لتكون داعمة وإثرائية تنسجم مع المناهج الدراسية المطورة خامساً، وتحديد القيم والمهارات والمفاهيم التي تعزز القيم الدينية السمحة والوطنية والاتجاهات الإيجابية لدى الطلبة والعمل على توظيفها توظيفاً حقيقياً في المناهج الدراسية سادساً، وتطوير وتنفيذ برامج للنهوض باللغة العربية من خلال التنسيق مع مجمعات اللغة العربية المعتبرة عربياً سابعاً، والتعاون والتنسيق بين الوسائل الإعلامية والمؤسسات التربوية العريقة، لبناء الهوية الثقافية وتنميتها وتعزيز الانتماء الوطني واحترام الرأي والرأي الآخر ثامناً. واختيار الكفايات التي تمكّن الطالب من الإسهام في تنمية مجتمعه وتمكينه من المنافسة عالمياً تاسعاً، وتصميم وبناء برامج وأنشطة عملية تعمل على صقل جوانب شخصية المتعلم وفق الكفايات المحددة له بما يعزز قسم الولاء والانتماء للوطن تاسعاً، وتعزيز النشاطات التربوية والمدرسية بما يضمن صقل شخصية الطالب وغرس قيم المواطنة والانتماء وتقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة والمشاركة في خدمة المجتمع المحلي عاشراً.
كل ما ذكر آنفاً لا يمكن من خلاله تحقيق الجودة في التعليم إلا بإيجاد بيئة تعليمية تعلمية مادية ومعنوية محفزة للمعلم والمتعلم معاً، وملبّية للحاجات التعليمية المختلفة، وتحقيق فرص تعليمية متكافئة لكل أبناء الوطن، وهذا يتطلب من الوزارة أن تتبنى استراتيجية تضمن تفعيل الشراكة المجتمعية والأسرة بصورة فعلية، للحد من الأخطاء والقرارات والإجراءات والممارسات النفسية والسلبيات بكل أشكالها، وتشجيع الاختصاصيين والمعلمين وأولياء الأمور والطلبة ومؤسسات المجتمع المدني، والتقدم بمبادرات تعليمية جادة، والتي بعد تنفيذها وتقييمها بإمكانها الارتقاء بنوعية التعليم. لا ريب أن التعاون والتنسيق بين الوزارة والمبادرات التعليمية وفق خطط تطويرية مدروسة تؤسس الشراكة الحقيقية بين الوزارة وجميع الأطراف في البلاد المعنية بتطوير التعليم، ويتطلب من الوزارة في حال تعييناتها وتوظيفها وترقياتها وانتدابها للكوادر الإدارية والتعليمية والتدريبية أن يكون اختيارها وفق أسس تنافسية شفافة واختبار تخصصي بعيداً عن كل المؤثرات النفسية والطائفية والمذهبية والعرقية، وأن تعلن عن أسماء وتخصصات من وقع الاختيار عليهم في الصحف المحلية كما هو معمول به في الكثير من الدول العربية والغربية، ليكون دافعاً قوياً للإداريين والاختصاصيين التربويين والمعلمين في الإسهام بفعالية كبيرة في التطوير وتحقيق أهداف المناهج الدراسية بالميدان التعليمي، وأي خلل أو تقصير في تنفيذ الخطوات التطويرية يحدث خللاً في المنظومة التعليمية برمّتها، فإذا لم تأخذ الوزارة على سبيل المثال بمبدأي المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص ولم تعمل بالشفافية في خطوات التطوير كالذي يكتب على الماء، نأمل من الجهات المعنية بتطوير جودة التعليم أن تكون حاضرة في التخطيط والتنفيذ والتقييم، لكي تتمكن من إصلاح مواطن الخلل في الوقت المناسب.
قد لا يختلف أحد من التربويين في وطننا الحبيب أن التعليم يمر حالياً في وضع مأساوي لم يشهده من قبل، وأنه بحاجة لعلاج جذري يزيل كل الأسباب التي أدت لوصول التعليم إلى هذا المستوى المتدني الذي لا يلبي أدنى طموحات الوطن، رغم الإنفاق الكبير عليه.