تطرَّق الزميل الكريم السفير عبدالله المعلِّمي في زاويته بهذه الصحيفة، في عددها الصادر بتاريخ 13 شوال 1437هـ، لموضوعٍ هامٍّ حمل عنوان «نحن والآثار»، مشيرًا إلى أن هناك تيارًا قويًّا مازال يتمنَّى أن يتعامل مع الآثار بحلول «طالبانيَّة»، ويمكن أن نضيف إلى ملاحظته الهامَّة بأنَّ هذا التيار يلتقي مع بعض أدبيَّات الحركات المتطرفة الأخرى ، والتي تهدم الآثار في بلاد الشام والعراق وغيرهما، ثمَّ تُسوِّقها لدى المؤسَّسات الغربيَّة المعنيَّة بحفظ الآثار، وتقبض ثمن تلك الصفقات مع مَن تصنِّفهم كفَّارًا، لتشتري بتلك الأموال سلاحًا فتَّاكًا، توجهه إلى صدور النساء والأطفال والشيوخ، ممَّن يقرّون بالوحدانيَّة لله عز وجل، وهذا شأن كثير من الحركات الإرهابيَّة التي تتزيَّا بالإسلام زورًا وبهتانًا.
ولقد عملت حكومتنا السنيَّة -جزاها الله خيرًا- على الحفاظ على كثير من الآثار الإسلاميَّة في المدينتين المقدستين، إضافة إلى توسعة الحرمين الشريفين، وأنفقت عليهما ما لا يُقدَّر من الأموال بناءً وحفظًا وصيانةً، وذهبت بعض الآثار بسبب هذه التوسعات، وكان بإمكان المسؤولين المباشرين عن هذه التوسعات الإشارة إلى مواضع آثار هامَّة، مثل دار أبي أيوب الأنصاري، وسقيفة بني ساعدة بالمدينة، ودار الأرقم بمكة المكرمة. ولكن هناك بعض الآثار أزيلت من دون أن يكون هناك سبب وجيه لإزالتها، مثل مسجد واقعة بني قريظة، ومسجد، ومكتبة العريضي، وبعض المساجد السبعة، والواقعة في منطقة موقعة الأحزاب، التي نصر الله فيها نبيّه صلى الله عليه وسلم على كفَّار قريش، ومَن آزرهم من المنافقين. ومن أهمّ تلك الآثار الباقية مسجد الفتح الواقع على سفح جبل سلع، وقد روى الإمام أحمد في مسنده دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم ربه في هذا المسجد ثلاث مرات، واستجيب له في الثالثة، وإلى وقت قريب كان موصدًا بالأقفال وليس من داعٍ لمثل هذا التخوّف، فالخطأ قد يقع في أماكن أكثر قداسة، ويكون دفعه بالموعظة الحسنة. وفي مكة المكرمة لا يزال موقع مولد النبيّ صلّى الله عليه وسلم والمعروف بالتواتر، كما ذكر ذلك فضيلة الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان، في بحث علمي له عن هذا الموقع، الذي أقيمت عليه مكتبة مكة، وقد أخبرني الدكتور محمد عبده يماني -رحمه الله- أن آل القطان، وهم مَن أوقف الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- هذا المكان على جدِّهم الشيخ عباس قطان، قد سلَّموه -أي للدكتور يماني- صكّ الوقفيَّة، ولعلَّ ممَّا ذكره بعض أهل العلم أن ليس هناك نبي ورسول يُعرف موضعُ ولادته، وموضعُ قبره على وجه التحديد، كما هو الشأن في حال خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتلك من معجزات هذا الدِّين الخالد.
ويمكن القول بأنَّ الإسلام حفظ لأتباع الديانات الأخرى أماكن عبادتهم، كما هو الحال عندما فتح المسلمون مدينة القدس، وقد أدركت الصلاة الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فالتفت إلى البطريرك، وقال له: أين أصلي؟ فقال مكانك صلِّ، فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي، ويقولون هنا صلَّى «عمر»، ويبنون عليه مسجدًا.. وابتعد عنها رمية حجر، وفرش عباءته وصلَّى، ولهذا وسواه فإن كثيرًا من الأسر المسيحيَّة تسمِّي أبناءها باسم هذا الخليفة المسلم، وقد ذكر الباحث الغربي Wismar - Adolph في دراسته القيِّمة عن التسامح الديني، كما جسَّدته سلوكيَّات النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من بعده، الكثير من هذه الأمثلة التي تدل على عظمة هذا الدِّين. ولهذا فإنني أضمُّ صوتي إلى صوت السفير المعلِّمي أن نحسمَ هذا التناقض الفكري إزاء آثارنا وشواهد تاريخنا.
عاصم حمدان- المدينة السعودية-