عمان اليوم-
في ذات يوم ربيعي مشرق رفض فاروق -على غير عادته- الذهاب إلى المدرسة التي كان يعشقها ويجد نفسه بها من قبل أن يدخلها، متعللا بأسباب واهية وغير منطقية، وفضل البقاء في المنزل، وبعد إلحاح من أسرته لمعرفة السبب وبعد شد وجذب وتقديم الهدايا السكرية التي يسيل لها اللعاب، اعترف فاروق أخيرا تحت وابل من الترغيب بالسبب الذي جعله يرفض الذهاب إلى المدرسة، واعترف على مضض أن رفضه المدرسة هو خوفه من مواجهة مصير صديقه زكريا بعد أن شاهد آثار ضرب على خديه الأيمن والأيسر معا.
اكتشف الأهل أن المدرس كان يعنف الطلاب بضربهم ذات اليمن وذات الشمال حتى ترتسم على خدودهم الطفولي آثار كفه وتحمر الوجوه ليس خجلا وإنما ألما وتسيل الدموع ليس ألما وإنما تعذيبا للكرامة وإساءة للطفولة البريئة التي تخدش من قبل المتسلطين ومحبي الهيمنة، أو بالأحرى أصحاب القلوب المتحجرة، والعقد النفسية المتأصلة على ما مورس عليهم من أشكال متنوعة من العذاب البدني والنفسي.
يتعذب الطلاب يوميا في المدارس بشتى أنواع العذابات فمنها النفسي ومنها البدني، ناهيك عن الضرب على المؤخرة والتي يستهويها (قلة) من المدرسين غير المؤهلين والذين لا يعون عواقب مثل هذه الأفعال الشاذة في مجتمع محافظ ينبذ شتى أنواع التحرش، ولو كان على غير قصد أو كما يدعي البعض العفوية.
قد يعتقد بعض الآباء والأمهات أنّ الضرب هو أمر أساسي في التربية فمنذ القدم والأمهات تلجأن إلى ضرب أبنائها لكي يصغوا لأوامرها ولكي يتربوا على الأخلاق بل وقد تقوم بعض الأمهات بتشجيع المعلم على ضرب ابنها أو ابنتها وتوجد مقولة مشهورة لدى أولياء الأمور يضعونها حلقة في أذن أبنائهم وأذن للمدرسين وهي: «سلم العين» أي أيها المعلم نعطيك الإذن بالضرب وبمختلف الأنواع والأشكال وتستطيع أن تضرب كيفما شئت وأينما شئت لكن لا تقرب من العين وتستطيع أن تكسر كل الجسم ولا العين.. ولكن هل هذه هي الطريقة الصحيح للتربية سواء في البيت أو المدرسة؟ بالتأكيد لا فكل الدراسات أشارت إلى أن ضرب الأولاد خاصة في المدارس له تأثير سلبيّ على نفسيّة الطالب وقد يتغيّر سلوكه مستقبلاً إلى الأسوأ نتيجة هذه المعاملة.
إن ضرب الأولاد في المدارس ممنوع قانوناً في العديد من الدول المتحضّرة وهو حق من حقوق الطفل وقد يؤدّي الضرب إلى انعزال الطالب عن الآخرين حيث يصبح الطالب خائفاً من الذهاب إلى المدرسة والاندماج مع أقرانه لما يتعرّض له من إحراج بسبب ضربه أمام أصدقائه وربما يكون هذا الطالب قادراً على أن يكون من المجيدين ولكن مستواه الدراسيّ يأخذ بالتدنّي نتيجة التأثير السلبيّ على شخصيّته.
لقد زادت نسبة الضرب في المدارس في دولنا العربيّة وأصبحت فيديوهات معاقبة الطلاب بالضرب تملأ شبكة الإنترنت في الوقت ذاته ما زالت دولنا تعاني من الأمية إذا فلماذا يلجأ المعلم إلى استخدام هذا الأسلوب مع طلابه؟ لقد أشارت استطلاعات عديدة الى أنّ المعلم في وقتنا هذا يعاني من قلّة هيبته أمام الطلاب ولكي يتغلّب على هذا الأمر أصبح يلجأ إلى الضرب لكي لا يفقد هيبته أمام طلابه وبالتأكيد فإنّ أي معلم يفكر بهذه الطريقة الخاطئة سوف يُنتج للمجتمع مزيداً من الأمة الجاهلة لأن هيبة المعلم لا تأتي بالضرب بل بالتعامل الجيد مع طلابه مهما كان مستوى الطالب متدنياً لأنّ مهمته أن يعلم ويربي أجيالا قادرة على نفع مجتمعها ولديها شخصيّة قويّة.
الضرب في علم النفس
يُنظر إلى الضرب في علم النفس على أنّه أضعف وسيلة للتربية ونتائجها مؤقّتة فقد ينصاع الطفل إلى الأوامر عند ضربه في الحال ولكن على المدى البعيد فإنّ الضرب يحدث العديد من المشاكل للطفل خاصّة عند وصوله مرحلة المراهقة فسيصبح هذا الطفل المعرّض للضرب باستمرار إمّا شخصاً عدوانيّاً أو على العكس يصبح إنساناً ضعيف الشخصية مهزوز ويخاف ممّن هم حوله ولهذا كله فقد لجأت الكثير من الدول العربيّة إلى تعديل قانون الضرب في المدارس أو أي مؤسسة تعليمية بمعاقبة المعلم بالحبس لمدّة لا تقلّ عن ستة اشهر وقد بدأت السعودية ومصر في تطبيق هذا القانون لأنّه لكي ترتقي بمجتمعك يجب أن يكون لديك مجتمع متعلم على قدر عال من الثقافة والضرب ليس هو الطريقة للوصول إلى هذا المجتمع.
طريقة التربية السليمة
يبني الطفل شخصيته من عمر السنة فيجب ألا يتعرض للضرب الذي سيؤثر عليه كثيراً ويجعله ضعيف الشخصية، وعدم توبيخه أمام الناس والاعتماد على عقابه إذا أخطأ، وترك الطفل يبدي رأيه وترك مجال ليتحدث ويشارك أقرانه باللعب، وهناك العديد من أساليب العقاب كالنظر إليه أو حرمانه من الأشياء التي يحبها أو الحبس المؤقت له وعدم الكلام معه أو شدّ الأذن.
أساليب تربية الأطفال
إنّ الطفل له كثير من الحقوق التي تقع على عاتق الوالدين، فيجب على الوالدين توفير الراحة النفسية والصحية للطفل، بتأمين له متطلّباته اليومية كالمأكل والمشرب والنظافة، وتأمين التربية السوية، وهي التي ستؤثر على شخصيّة الطفل عندما يكبر، وقد تعدّدت طرق تربية الأطفال، فهنالك من اتبع الدين في تربية أطفاله، وآخرون اتبعوا الطب النفسي وطب الأسرة، والأفضل هو اتباع الطريقين؛ لأنّ كلّاً منهما مكمّل للآخر.
أفضل الطرق لتربية الأطفال
أفضل الطرق لتربية الأطفال إن أهمّ ما يتأثّر به الأطفال سلوك العائلة التي تربّوا فيها، فإن كانت سوية أثّر ذلك بصورة إيجابية على تربية الطفل، فيجب على الأسرة التصرف بتصرفات لائقة أمام أطفالها، فيجب الابتعاد عن رفع الصوت، والتلفّظ بألفاظ غير أخلاقية، والابتعاد عن الخلافات بين الوالدين أمام طفلهم، فإن الطفل قابل للتعليم لكلّ شيء يحدث أمامه. وتعزيز قدرة الطفل للاعتماد على نفسه، وذلك بتحميله بعض المسؤوليات البسيطة، كالطلب منه الذهاب ليحضر أداة معينة، فعندما يحضرها يجب الثناء عليه، وشكره.
وإعطاء الطفل الراحة النفسية، وذلك بعناقه بين حين وآخر، والتحدّث معه بكلام يُشعره بالأمان، كالقول له أحبك، أنت أغلى ما أملك، لا أستطيع العيش من دونك، فكلّها كلمات تجعل الطفل بحالة نفسية جيدة. وتعليم الطفل الصبر؛ فعندما يطلب طلباً ماديّاً يجب تأجيله لبضع دقائق، وفي بعض الأحيان تأجيل طلبه لأيام، حتى يتعلم أن يستمع إلى كلام والديه، وأنه لا يمكن تلبية جميع متطلباته بجميع الأوقات. والاعتذار من الطفل، فإذا بدر خطأ ما من أحد أفراد أسرته يجب الاعتذار منه، بقول أنا آسف، فذلك سيعلّمه مبدأ الاعتذار عندما يخطئ، ويكسبه أخلاقا عالية كعدم التسلط، والاعتراف بأخطائه. وتعزيز ثقة الطفل بنفسه وذلك بترك المجال أمامه بالقيام ببعض الأعمال، ويجب أيضاً تركه يتكلّم بكلّ طلاقة، وعدم إسكاته كالقول له اسكت، أو في وقت لاحق سأستمع لك، لأنّ ذلك يقلّل من ثقته بنفسه. والابتعاد عن عقابه بالضرب، أو التلفّظ بألفاظ جارحة له، بل على العكس تماماً يجب عندما يخطئ الطفل التكلم معه بأسلوب هادئ، والبدء بكلمة أنا أحبك وفخورة بك على الرغم مما حدث، ومن ثمّ التكلم معه بالخطأ الذي بدر منه، ومع الوقت سيلاحظ الوالدان ابتعاد الطفل عن القيام بالأخطاء من تلقاء نفس. والابتعاد عن مقارنة الطفل بأقرانه من الأطفال؛ كالقول له إنّ هذا الطفل أفضل منك، لأنّ ذلك سيولد شعور الغيرة والكراهية لدى الطفل. ولا بدّ لنا من ذكر أنّ التربية السوية للأطفال تساعد على إنشاء مجتمعٍ سويّ، يمتاز بالأخلاق والترابط.
الدول العربية تمنع التعنيف
على الرغم من أن أغلب وزارات التربية والتعليم في الدول العربية تمنع التعنيف الجسدي بجميع أنواعه، إلا أن هناك المئات من المعلمين ما زالوا يعاقبون التلاميذ بأشكال قاسية.
ويؤدي الضرب في المدارس إلى آثار سلبية قد تؤثر على شخصية الطالب على المدى البعيد، أو تجعله يتخوف من المدارس وينعزل عن التحصيل العلمي، في وقت تعاني فيه المنطقة العربية من تراجع مستويات التعليم وانتشار الأمية.
وشهدت المنطقة العربية مؤخرا، تزايدا في ممارسات العقوبات الجسدية بعدد من المدارس، رغم تجريم مثل هذه العقوبات قانونيا، وتحريمها دينيا في بعض الدول.
وأصدرت وزارة التربية والتعليم بجمهورية مصر العربية عام 2008 قرارا بمنع التعنيف الجسدي للطلاب بجميع أنواعه، مؤكدين في قرارهم بأن الضرب في المدارس يؤدي إلى آثار سلبية قد تؤثر على شخصية الطالب على المدى البعيد، أو تجعله يتخوف من المدارس وينعزل عن التحصيل العلمي، في وقت تعاني فيه المنطقة العربية من تراجع مستويات التعليم وانتشار الأمية.
وأصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى عام 2012، حرمت فيها الضرب المبرح للتلاميذ في المدارس من قبل المعلمين، الذي قد يؤدي إلى ضرر جسدي أو نفسي للطالب.
ويقول أحد الخبراء القانونيين، إن الضرب في المدارس ممنوع وفقا لحقوق الإنسان ووثيقة حقوق الطفل التي تمنع تعرض الطفل للإيذاء البدني أو التوبيخ، مشيرًا إلى أن التعليم في مصر لا يعاني فقط من أزمة المناهج، وإنما تمتد الأزمة إلى عقلية المدرس الذي يجهل كيفية التعامل مع الطفل وفقا لحقوقه الخاصة في ظل انعدام التدريب على التعامل مع الأطفال وفقا لمبدأ حمايتهم من التعرض للإيذاء.
ويضيف أن قانون الطفل والدستور يمنعان الإساءة للطفل، حيث يعاقب القانون بـ3 سنوات سجن لمن يعتدي بالضرب على الطفل ويحدث به إصابة، في حين تكون عقوبة المعتدي الذي لم يحدث إصابة السجن 6 أشهر، باعتبار أنه ارتكب جريمة تعريض الطفل للخطر، فيما تكون عقوبة التعذيب المتعمد للأطفال 5 سنوات سجن.
وتقول أستاذة في علم الاجتماع، أن الضرب دون سبب أسلوب خاطئ ينمي لدى الطالب الإحساس بالظلم، ويبعث في نفسه رغبة عارمة بالانتقام، لافتة إلى أنه كلما زاد الظلم ولد الانحراف، ومضيفة أن التربية فن وأخلاق وحسن تعامل.
وأوضحت أن ثمة معلمين ومدرسين في العديد من المدارس لا يراعون مشاعر الطلاب، ولا يقدمون الرعاية لهم أو يهتمون بشؤونهم، مؤكدة أن الحل يكمن في وضع رقابة متخصصة من قبل الإدارات التعليمية للإشراف على الطلاب في المدارس وملاحظة سلوك المعلمين معهم.
ومن الناحية الأخرى، قال خبير سياسي: إن المعاملة السيئة لطالب في المدارس، توجد جيلا جبانا يخاف من السلطة الأعلى طالما استطاعت معاقبته، ويخالف القوانين إذا ما تأكد أنه بمنأى من العقاب.
وطالب جميع المعلمين والمعلمات عدم امتهان كرامة الطلاب، كون العقاب البدني والنفسي يؤدي إلى تبلد الحس الذهني وفقدان المعنى الصادق للإحساس بالمسؤولية، وتكوين اتجاهات سلبية لدى الطلاب تجاه المدرسة والمعلمين والمعلمات، الأمر الذي يتعارض مع مفهوم العقاب التربوي الذي يهدف إلى معالجة الممارسات الخاطئة من الطلاب.
وتولي السلطنة الأطفال اهتماما كبيرا، وتضمن لهم حقوقهم البشرية إذ قامت السلطنة بالتصديق على اتفاقية حقوق الطفل في عام1996، وتم إصدار النظام الأساسي للدولة (مرسوم سلطاني 101/96)، وكذلك قانون الطفل العُماني الصادر بمرسوم سلطاني رقم (22/2014) في مايو 2014. ويتكون القانون من 13 فصلا و79 مادة تتطرق إلى حقوق الطفل الصحية، والاجتماعية، والتعليمية، والثقافية متضمنة احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة وحقوقهم. وتغطي الفصول الخمسة الأخيرة المساءلة الجزائية، وتدابير الحماية، وآليات الحماية، العقوبات والأضرار المدنية. وتنص المادة (63) أن على الأطباء والمعلمين وغيرهم من الأشخاص الذين يصل إلى علمهم بحكم مهنهم أو وظائفهم أو أعمالهم معلومات بشأن عنف أو استغلال أو إساءة لأي طفل أو انتهاك لأي حق من حقوقه المنصوص عليها في هذا القانون إبلاغ لجان حماية الطفل. وتتمثّل إساءة معاملة الأطفال في حالات الإيذاء والإهمال التي يتعرّض لها الأطفال دون سن 18 سنة، وتشمل تلك الظاهرة جميع ضروب إساءة المعاملة الجسدية والعاطفية والإيذاء الجنسي والإهمال والاستخفاف والاستغلال التجاري أو غيره من أنواع الاستغلال، التي تتسبّب في إلحاق أضرار فعلية أو محتملة بصحة الطفل وتهدّد بقاءه على قيد الحياة أو نماءه أو كرامته.