عكاظ السعودية-
فتح المقطع الشهير للعم «معيض» الباب واسعا أمام بعض الأفراد للتباهي بضرب أطفالهم وتوثيق فعلتهم، ربما طلبا للشهرة والصيت أو لتأكيد نفوذهم على صغارهم. وبدت الصورة أكثر وضوحا في عدة مقاطع جادة وأخرى كوميدية تظهر آباء يجلدون أطفالهم في مقاربة لما فعله العم معيض، الذي اكتسح بمقطعه الشهير أعماق صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، واتخذ البعض منه مثالا للتباهي والتفاخر. على رغم أن المجتمع قابل تصرف معيض الفطري بشيء من القبول بسبب وضوح فكرته في التأديب العاطفي، إلا أن الاستهجان طال بعض المقلدين الذين سلكوا أغرب وأقرب الطرق للشهرة.. ضرب أطفالهم أمام عيون الكاميرات!.
قبل عدة أيام انتشر مقطع لرجل يجلد ابنه، في مشهد اعتبره الكثيرون مصطنعا، استهدف الجالد فيه المقاربة مع العم معيض، غير أن مشهد الجلد تواصل حتى الشارع حين خرج الطفل هاربا من سياط والده.
وحذر اختصاصيون من تنامي « الظاهرة» والصمت حيالها. مطالبين بتطبيق العقوبات لردع الآباء القساة ومنعهم من المباهاة بالجلد والضرب.
عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي عباس الحكمي حذر من تجاوزات بعض أولياء الأمور والمعلمين حدود التأديب إلى الإيذاء والاعتداء، مبينا أن ذلك يعد جناية، ومحرمة شرعا مهما كانت المبررات. وقال لـ «عكاظ» إن العلماء حددوا مقدار الضرب المذكور في القرآن الكريم بأنه الضرب غير المبرح، كأن يكون بطرف المسواك أو طرف الثوب، إذ يقصد منه الإيذاء والردع المعنوي دون أن يكون هناك إيذاء أو تأثير غير المقصود لأجله في تربية الأبناء. وبين أن تصوير حالات الضرب وتعنيف الأبناء ونشرها يعد إساءة فوق الجناية المرتكبة، ما يكون سببا في تحفيز الآخرين على الإقدام على مثل هذه الأفعال الشنيعة.
المحلل النفسي والمتخصص في القضايا الأسرية والمجتمعية الدكتور هاني الغامدي أبدى أسفه من عدم احتواء هذه المقاطع المنتشرة على أي محتوى نافع غير تشويه صورة المجتمع بحثا عن الشهرة . وأضاف بأن هذه المقاطع برغم سوء محتواها فإن أصحابها ينشدون الصيت للحصول على مكانة مقيتة لا أصل لها شرعا وعرفا وإنسانية. وأوصى الغامدي بفرض عقوبات صارمة على مثل هؤلاء؛ لأن نشرها دعوة للمتلقين لممارسة الفعل ذاته. داعيا المجتمع إلى إدانة كل صور العنف، وإنقاذ الناس من تصورات بعض الحمقى.
الدكتور ماجد قاروب يرى أن حالات العنف ضد الأبناء أصبحت مزعجة، ما يستدعي ربط السلوك بالموروث الاجتماعي والثقافي، وما يصحب ذلك من فهم خاطئ لمعنى الولاية على الأسرة.
كما يبين أهمية الدور التربوي للمعلم، وما يرتبط بعلاقة المدرسة بالمنزل في غياب شبه كامل عن الثقافة الحقوقية والالتزام باللوائح والتعليمات والقوانين التي تنظم حدود العلاقة بين الأطراف. ويضيف قاروب: إن هيئة التحقيق والادعاء العام عليها واجب التصدي لمثل هذا السلوك بطلب نزع الولاية من الآباء أو أولياء الأمور حال ممارسة العنف بكل أنواعه وأشكاله تجاه الأبناء، إذ يصل التعزير والعقوبة إلى نزع الولاية من الأب، وحضانة الأطفال بواسطة الصالحين من ذويهم.
يرى المشرف على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في منطقة مكة المكرمة، سليمان الزايدي، أن التربية عبارة عن حلقات تكمل بعضها البعض فالأطفال أمانة، فالله كرم الإنسان وعلى الجهات المعنية بالتربية والتأديب مراعاة الكرامة الربانية وعدم المساس بكرامة الفرد، سواء بالضرب أو التعنيف أو الانتقاص من شخصيته أو قدراته. وأضاف إن ما يحدث اليوم من نشر المقاطع، اختراق واضح غير مقبول للمسؤولية، فالتربية الحسنة لابد أن تعتمد على التنشئة الفاضلة التي ترتقي بالطفل وتنمي مهاراته وتحافظ على شخصيته. وأضاف الزايدي إن للجمعية دورا تثقيفيا في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وهناك مشروع مهم في التربية على الحقوق، إذ دعت الجمعية وزارة التعليم إلى تضمين المناهج ما يربي على الحقوق صيانة ورعاية وتنشئة.
وشدد المشرف على جمعية حقوق الإنسان في مكة المكرمة على أن الانظمة العدلية تحفظ لكل شخص حقه، بدءا من الطفل وهو جنين حتى آخر يوم في حياته.
دعا سفير مشروع «نبراس» الدكتور عبدالعزيز الزير إلى عدم صناعة المشاهير بتداول المقاطع التافهة والأولى بالشهرة والاهتمام أصحاب الرأي والعلم والفكر، إذ إن إبراز النماذج السلبية يعكس ضحالة المجتمع ويشوه صورته لدى الآخرين. وقال لـ «عكاظ» إن بعض المغردين يتناقلون مقاطع يصل أصحابها بعد ذلك إلى شهرة واسعة ويصورون المجتمع من خلال مايتم تداوله على أنه سطحي ضحل. وأضاف الزير إن صناعة المجتمع لبعض هواة الشهرة ينعكس سلبا على المستقبل ويحفز الآخرين لممارسة مثل هذه الحماقات، فضلا عن الكلام المبتذل والسفيه والسب الذي تحتويه هذه المقاطع. وأضاف إن مثل هذه الاهتمامات تدل على وجود خلل في عقليات بعض الناس والمغردين الذين يتبنون مثل هذه التصرفات ثم انكشفوا أمام الجميع وباتوا يتخذون من مقولة (خالف تعرف) شعارا لهم، حتى لو كانت مخالفة للعقيدة و القيم والأعراف، وهو الأمر الذي يتطلب من أصحاب الأقلام التحذير والتنبيه.
أكدت عضو مجلس الشورى الدكتورة هيا المنيع على ضرورة تحرك وزارة الشؤون الاجتماعية لحماية الأطفال المعنفين، والتحرك الفاعل من هيئة حقوق الإنسان الذي بات ملحا في جوانب تفعيل الأنظمة القائمة والمختصة بمعالجة هذه الحالات لحماية الضعفاء سواء كانوا من الأطفال أو المعوقين. وأبانت أن التوعية ترفع مستوى الوعي والثقافة، وتسعى إلى تجنيب المعنف الضرر النفسي والبدني، وبدون تفعيل النظام تصبح الأنظمة لا فائدة منها.
أستاذ كرسي الأمير نايف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية الدكتور غازي المطيري، أبدى تخوفه في أن يتسبب التعنيف وتصوير الحالات وسيلة إلى العقوق . وقال «إن التربية في الإسلام ذات جوانب مرتبطة، فهي ليست واجبات وحقوقا تؤخذ وتمنح بسهولة بقدر ما هي مسؤولية مشتركة. وعلى سبيل المثال: فإن بر الوالدين أو عقوقهما لا يمكن تحميله إيجابا أو سلبا طرفا دون طرف. وأوضح أن التقصير في التربية قد ينقلب عقوقا، إذا ما تجاوز الوالدان في حق أطفالهما، فالإهمال والظلم وعدم المساواة بين الأبناء وإهمال الأب لإحدى زوجتيه وتفضيل إحداهما على الأخرى وكذلك تفضيل أبنائها على الأخرى أو الأخريات، فيتسبب ذلك في زرع البغضاء وترسيخ الكراهية في نفوس الأبناء، ولابد للأب أن يعامل كل أولاده وزوجاته بالعدل والمساواة. فالآباء والأمهات الذين يتعاملون بالقسوة والغلظة والإهمال وتفضيل ابن على الآخر يضربون البناء الأسري في مقتل.