أسعدنا قرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي بالموافقة على تنظيم مجلس شؤون الأسرة، وهو مطلب طالما طالب به كثير من الكتّاب والكاتبات، والناشطين والناشطات في المجال الأسري. الهدف من إنشاء هذا المجلس كما صرح رئيسه "وزير العمل والتنمية الاجتماعية" هو تعزيز مكانة الأسرة ودورها في المجتمع والنهوض بها، والمحافظة على أسرة قوية متماسكة ترعى أبناءها وتلتزم بالقيم الدينية والأخلاقية والمثُل العليا. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما المطلوب اتباعه لضمان نجاح هذا التنظيم؟ كيف يمكن لهذا المجلس أن يحقق نتائجه المرجوة من أجل حماية الأسرة؟
الحقيقة أن كثيرا من التجارب الدولية الناجحة في الشأن الأسري ركزت في سياستها على المنظومة الحقوقية للأسرة واستطاعت من خلالها إحراز تقدم ملموس على هذا الصعيد، وقد دلتني التجارب الشخصية باعتباري أحد المهتمين في الشأن الحقوقي والإنساني على أن نظرية حقوق الإنسان ليست فلسفة نظرية يختص بها شخص معين أو ينفرد بالادعاء المعرفي بها مدرب حقوقي أو أكاديمي جامعي، وإنما حقوق الإنسان ومبادئها كتربية اجتماعية تبدأ أولا من الطفولة التي يعيشها الفرد في بيئته مع أسرته، ثم في مدرسته ثانيا بالتجارب التي يتلقاها في مسيرة حياته، ويجب أن يكون هذا الفرد مستعدا استعدادا حقيقيا ومتأصلا، ليحب لأخيه ما يحبه لنفسه، ويعترف في داخله أن للآخر حقا، كما له هو وعشيرته، وأن التفريط في هذا الحق، عمل تمقته الأخلاق والدين، والفرد الذي لا يعيش هذا الشعور والاعتراف بحق الآخر، فإن رصيده الحقيقي في مجال حقوق الإنسان يعتريه الكثير من الخلل والنقص.
وبناء على كون الحق في تأسيس أسرة من أهم حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة وباعتبار الأسرة نواة المجتمع وأهم مؤسسة اجتماعية؛ فعليه أقترح هنا أن يكون لمجلس الأسرة بصمته في صياغة جدول جديد لحقوق الأسرة، يقوم بتسليط الضوء على سبل التمكين لحقوق الأسرة في المنظومة القانونية ووضع ضمانات حقوقية لدعم استقرار الأسرة وحماية المجتمعات من العنف والتفكك الأسري، ومراجعة التشريعات الاجتماعية المعنية بالأسرة والمرأة والطفل، وتفعيل الاتفاقات الدولية ذات العلاقة عبر بناء شراكات مع الجمعيات المحلية والإقليمية والدولية، حتى يمكننا أن نتصدى للعديد من الوقائع والظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تشكل تهديدا حقيقيا لكيان الأسرة وضربا صارخا لحقوق المرأة والطفل في أسرة سوية.
هناك مسؤولية واضحة على مجلس شؤون الأسرة، في خلق ثقافة حقوقية وقانونية عامة لدى الأسرة السعودية، تضمن تعريفها بحقوقها وواجباتها وآليات ممارستها وحدودها، والاهتمام بخلق أجواء الحوار والنقاش حول قضاياهم الحيوية جميعها بدون استثناء، كذلك المساهمة في تأسيس رأي عام شعبي لمصلحة تطبيق وحماية حقوق الإنسان ومقاوم لأي انتهاك له.
أخيرا أقول إن إقرار مجلس لشؤون الأسرة ينطوي على التأكيد بأهمية حقوق الأسرة وإدراك أهمية الدور التنموي الذي يعزز من مكانة الأسرة في المجتمع السعودي. فالأسرة بشكل جوهري وأساس، تعتبر خط الدفاع الأول لحماية المجتمع من كافة العوامل التي تهدد أمنه واستقراره.
علي الشريمي- الوطن السعودية-