الزواج ليس وثيقة ورباطاً بين مرأة ورجل فقط، بل هي علاقة أسرية أطرافها طفل وطفلة وعائلة، مؤخراً انتشرت حالات الطلاق بين الأزواج، ولكن بصورة مختلفة، إذ أصبح الأطفال والأبناء أداة ابتزاز بين الزوجين، بهدف الانتقام!.
في الآونة الأخيرة انتشرت عدد من المقاطع الالكترونية لحالات تعذيب للأطفال وتعنيفهم، ولعل الطفلة "دراين" كانت آخر ضحايا ابتزاز الأزواج، التي لا يلجأ إليها إلا الخارجون عن قواعد الضبط الديني والأخلاقي والاجتماعي والعاجزون عن التعبير بالوسائل السليمة الطبيعية، فكيف تختفي عاطفة الأبوين لأطفالهم فقط للابتزاز والإنتقام من بعضهم البعض.
وفي سبيل الحد من هذه التبعات أو التصرفات قبل تحولها لظاهرة خاصة مع الإرتفاع الملحوظ لمعدلات الطلاق مؤخراً، التقت "الرياض" بعدد من الاختصاصين وذوي الخبرة في التعامل مع المطلقين والمطلقات والأطفال.
معضلة عالمية
بداية شدد خالد الدوس - باحث اكاديمي- على أن قضية العنف ومظاهره ضد الأطفال تّعد واحدة من أهم القضايا الاجتماعية والنفسية المعقدة التي تواجه دول العالم أجمع مع اختلاف أو تباين ارتفاع معدلاتها العالمية من مجتمع إلى مجتمع حسب درجة الوعي المجتمعي والعمق الحضاري والبعد الثقافي للمجتمعات بشكل عام.
وأشار الى أن آخر الإحصائيات الصادرة أكدت أن أكثر من (30%) من الأطفال في المملكة يتعرضون للعنف والإيذاء، وقد يكون اعتداء جسدي أو عنف لفظي أو نفسي أو رمزي كالاحتقار والازدراء والإهانات، وهذا مؤشر خطير على اتساع دائرة هذه الآفة المرضية، وضرورة الاعتراف بمثالبها.
وتابع الدوس: هناك ملايين آخرون معرضون للمخاطر طبقا للإحصائيات والأبحاث العلمية الصادرة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، إذ تشير التقارير المهنية من المنظمة العالمية في هذا السياق إن الأطفال في أنحاء العالم يتعرضون لأشكال العنف "البدني والنفسي والرمزي والعاطفي والصحي" والإيذاء والابتزاز الوالدي وغيرها.
واستطرد: الأمر الذي ربما يؤثر أو يضعف قدرتهم على التعلم البنائي والاندماج الاجتماعي، وبالتالي قد ينعكس على الصحة النفسية للأطفال واعتلالها، ولاريب أن مجتمعنا السعودي ليس بمعزل عن المجتمعات الأخرى التي تعاني من قضية عنف الأطفال وانتهاك حقوقهم وابتزازهم.
غير إنساني
وأوضح الدوس أن قضية ابتزاز الأطفال قضية معقدة في نسيجنا المجتمعي، بدأت دائرتها تأخذ حيز الاتساع لما اعترى وظيفة التنشئة الاجتماعية والأخلاقية والنفسية والعقلية والدينية في النظام الأسري، من تحولات رهيبة وتغيرات سريعة يشهدها مجتمعنا الفتي في واقعه المعاصر نتيجة التحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي، وأدت إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والممارسات غير الإنسانية في كثير من الاتجاهات الفكرية والسلوكية والقيمية المخالفة لقواعد الضبط الديني والاجتماعي والأخلاقي، مستشهداً بما حصل مؤخراً مع حالة الطفلة المعنفة (دارين)، وتم تداول مقطع فيديو في موقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وتخصيص هاشتاق عن تعنيف وإيذاء تعرضت له هذه الطفلة من والدها بقصد الانتقام من والدتها المطلقة وابتزازها!
دوافع وأسباب
وأوضح الدوس أن لهذه المشكلة المجتمعية أسباباً ودوافع قد تكون عوامل اجتماعية مثل الخلافات الأسرية والمنازعات الزوجية وحالات التفكك المنزلي، وصراع الأدوار الاجتماعية والنموذج الأبوي المتسلط، مما ينتج عن ذلك سوء التوافق الاجتماعي لأحد الأبوين، وقد تكون عوامل اقتصادية مثل الفقر الذي تعاني منه بعض الأسر، وبطالة رب الأسرة، أو عوامل نفسية مثل فقدان الإشباع العاطفي داخل الكيان الأسري والمعاناة من القلق والاكتئاب والاغتراب النفسي والاجتماعي، وضعف الإحساس الوجداني بالمسؤولية تجاه أفراد الأسرة وبالذات الأطفال.
ولفت الدوس أن الوسائل الإعلامية تلعب دوراً مؤثراً في تشكيل ثقافة الإيذاء والابتزاز ونشر حالات العنف وأنماطه في النسيج الاجتماعي عن طريق التقليد ومحاكاة ما تعرضه بعض وسائل الإعلام المرئية والألعاب الالكترونية من مظاهر العنف ومشاهد الضرب والتعذيب الوحشي.
وأبان أنه يبقى دور المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والصروح الأكاديمية والتعليمية، في رفع سقف الوعي الأسري وتنوير المجتمع بخطورة العنف ضد الأطفال وآثاره على البناء الأسري والمجتمعي مع ضرورة إشاعة ثقافة الحوار المنزلي.
نسب مرتفعة
فيما شددت خلود التميمي -المدير التنفيذي لجمعية مودة الخيرية للحد من الطلاق وأثاره - أن ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأخيرة أصبح مصدر قلق لنا جميعاً فالإحصاءات المعلنة من وزارة العدل تؤكد على تفاقم هذه المشكلة وآثارها مما يتطلب المزيد من العمل لمواجهتها والوقاية منها والحد من آثارها، حيث بلغت نسبة الطلاق لدينا حوالي (27%)، وهو رقم يستدعي الوقوف عنده والبحث عن حلول بشأنه.
ونوهت التميمي أنه من هذا المنطلق تأسست جمعية مودة الخيرية للحد من الطلاق وآثاره، فأطلقت العديد من المبادرات والبرامج المتوافقة مع رؤية المملكة 2030م، أهمها "مبادرة بيت مودة للزيارة الأسرية" لتنفيذ أحكام الحضانة وزيارة المحضون وهو أول مشروع حقوقي من نوعه على مستوى المملكة، يسعى إلى إيجاد بيئة نموذجية وآمنة لتنفيذ أحكام الحضانة والزيارة لأطفال الطلاق والنزاع الأسري.
وأوضحت التميمي أن المبادرة تتم وفق آلية ملائمة وسليمة يتم فيها الحفاظ على نفسية الطفل وكرامة الوالدين بعيداً عن مراكز الشرطة التي كانت تنفذ من خلالها أحكام الحضانة والزيارة مما يخلف أثاراً نفسية واجتماعية خطيرة على الطفل وإحراجاً كبيراً للأبوين خاصة الأم.
واستطردت: بيت مودة يقدم أيضا عدد من الخدمات التي تحمي الأطفال وتراعي نفسيتهم بعد انفصال الأبوين كالتهيئة والدعم النفسي لهم قبل تنفيذ الزيارة أو نقل الحضانة من خلال إقامة انشطة ترفيهية وعقد لقاءات تدريجية للطفل مع المحكوم له من الوالدين.
وسيلة ضغط
ونوهت ريم العجم -محامية- أن طريقة الابتزاز تكون أن يجبرهم على التنازل عن الأطفال مقابل الطلاق عن طريق حرمانها من أولادها أو إذا كان هناك التزامات من مؤخر صداق أو ديون على الزوج من قبل الزوجة فيكون ابتزازها أو التنازل عن الالتزامات المادية بإعطائها الطلاق، ويكون هناك ابتزاز أيضا بأن يحرم الأولاد من التعليم أو يكون هناك تعنيف لهم.
وكشفت أن القضايا بعضها تعنيف جسدي أو لفظي أو حتى حرمان من الدراسة، لكي يجبر الأم بالرجوع إلى بيتها واستمرار الحياة الزوجية معه رغم صعوبتها وسوء العشرة وعدم النفقة، أو يجعل الزوج الأولاد أيضاً وسيلة ضغط للتنازل عن جميع مستحقاتها لكي تحضنهم أو حتى زيارتهم، والآن مع القوانين الجديدة ومنها قانون التنفيذ الذي يجبر الزوج على تسليم الأولاد لأمهم إذا صدر صك بحضانتهم، أو الممتنعين عن الزيارة بالعقوبة التي تكون سجن ثلاث شهور للممتنعين عن تنفيذ أحكام الزيارة والحضانة وكذلك الحماية إذا تعرض الأبناء للعنف.
وأضافت: أن الشيء المهم الذي يجب أن تعرفه الأم المطلقة إذا قامت جبراً بالتنازل عن أطفالها مقابل الطلاق أنه يحق لها رفع قضية حضانة لأبنهائها لأن الحضانة من القضايا المتجددة لمصلحة المحضون.