أكدت صحيفة «الرياض» السعودية، مؤخرًا، ضرورة تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة بإيذاء الأطفال، والعمل على إعادة تأهيل المعنَّف وحمايته، مشيرة إلى أن ما يتم تداوله من حوادث تعنيف الأطفال والإساءة لهم، لا يمثل إلا جزءًا يسيرًا من حالات العنف المنتشرة في المجتمع؛ وفقًا للإحصائيات والأرقام الرسمية. وذلك بعد تداول نشطاء ومعلقين كثير من حوادث تعنيف الأطفال التي غالبًا ما تنتهي دون معاقبة فعلية للمُعنِّف.
تسليط الضوء على الإنجازات:
وقبل أسبوعين، قامت المملكة العربية السعودية بالتطرق إلى انجازاتها في مجال حقوق الطفل خلال اجتماع المجلس السنوي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول الطفل، حيث وضح سفير المملكة في الأمم المتحدة في جنيف الدكتور «عبدالعزيز الواصل»: «إن أمةً لا تحمي أطفالها هي أمةً بلا مستقبل، لأن الأطفال هم شباب المستقبل، ولذلك فقد أولت المملكة هذا الموضوع أهمية كبرى، حيث سنت الأنظمة والقوانين التي تهتم بحقوق الطفل وحمايته في كافة الجوانب، كونه لبنة البنية الأساسية في المجتمع».
يأتي ذلك في الوقت الذي سبق أن أكدت فيه، الناشطة السعودية البارزة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، «عزيزة محمد اليوسف»، أن القوانين تحتاج مراجعة جادة وسريعة؛ وخاصة فيما يتعلق بحضانة الأطفال، وقضايا العنف الأسري بجميع أنواعه، وقضية العقوق. كما يطالب إعلاميون سعوديون الجهات الرسمية بتكثيف جهودها وإيجاد حلول واقعية وجذرية مناسبة للحد من العنف الجسدي والنفسي واللفظي ضد الطفل.
محل خلاف قديم:
هذا ويُعتبر العنف الأسري، وحضانة الأطفال بعد الطلاق، وحرية المرأة في الإقامة بمنزل مستقل مع أطفالها بعد الطلاق، وبنود أخرى في قوانين الأحوال الشخصية بالمملكة، محل خلاف قديم في السعودية، يتجدد مع تسجيل حوادث جديدة ترتبط بتلك القوانين.
يقول المستشار القانوني وعضو برنامج الأمان الأسري، «أحمد المحيميد» إن: «حقوق وحماية الأطفال في المملكة نابعة من الشريعة الإسلامية ومن الأنظمة السعودية ومتفقة مع الاتفاقيات الدولية». مضيفًا أن «حقوق الطفل تشمل الحماية قبل الولادة عبر نظامي الأحوال المدنية وتسجيل المواليد وجنسيتهم وحقوقهم الوطنية ونظام الولاية على أموال القصر، والذي يضمن حفظ أموالهم وحقوقهم، وتنبع أيضًا من قرار إلزام الزوجين بالفحص قبل الزواج لحماية الأطفال صحيًا».
ويؤكد «المحيميد» أن حماية الأطفال تمتد لتشمل حقوقهم في أنظمة الصحة والتعليم والعمل والشؤون الاجتماعية والرياضية والأمن، وحتى الأطفال الأيتام والأحداث شملتهم الحماية بالرعاية والاهتمام.
الأهل هم المتهم الأول:
هذا ويعزز عدد غير قليل من قضايا العنف ضد الأطفال، المعلن عنها في الإعلام السعودي، إحصائية هيئة حقوق الإنسان السعودية، والتي تذهب إلى أن الوالدين هما المتهم الأول في 60% من تلك القضايا، وإن أكدت الوقائع تحمّل الأب الوزر الأكبر فيها.
وتشهد قضايا العنف ضد الأطفال في السعودية تزايدًا ملحوظًا، والتي غالبًا ما تثير الرأي العام السعودي، على الرغم من إنشاء السلطات برنامج «الأمان الأسري الوطني» في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، في محاولة منها لمواجهة موجة تزايد العنف ضد المرأة والطفل، وإصدار نظام «الحماية من الإيذاء».
وتصف الدكتورة «عائشة المانع»، إحدى مؤسسات برنامج الأمان الأسري، ظاهرة العنف ضد الطفل بأنها «مؤلمة جداً، وهي ليست بالجديدة، وإنما الإعلام بدأ يتداولها ويسلّط الضوء عليها بصورة أكبر من السابق»، مشيرة إلى أن «الجهات الأمنية صارت تتدخل، ويتم عرض القضايا على القضاء». موضحة أن الإشكالية هي في تطبيق قانون حماية الطفولة، الصادر في بداية ثمانينات القرن الماضي، والذي أقره مجلس الوزراء السعودي.
وشددت على ضرورة إدراج برامج للتوعية في المدارس منذ الصفوف الدنيا، وبرامج حماية للطفل المعنّف، وتوعية الرأي العام بأنواع التعنيف، إضافة إلى تدريب المدرسين والأطباء على ملاحظة أي عنف يظهر على الطفل، لافتة إلى ضرورة التنبّه إلى العنف النفسي وليس فقط العنف الجسدي. مؤكدة أن العديد من قضايا العنف لا يتم التبليغ عنها، إما بسبب الخوف من المعنِّف أو ثقافة العيب السائدة وفق العادات والتقاليد، كما شددت على أهمية وجود آليات لتطبيق قانون حماية الطفل، والمبلّغ عن العنف، مثل إدارات الشؤون الاجتماعية، بحيث يكون لها سلطة التدخل، إضافة إلى التوعية وتحديد مفهوم الإيذاء والعقوبات المترتبة عليه.
مقاطع توثِّق الاعتداءات:
وزارة التربية والتعليم السعودية، فتحت بالفعل، خلال الأعوام الماضية، الكثير من ملفات التحقيق في مقاطع فيديو تُظهر معلمين وهم يضربون الطلاب. علاوة على رصد حالات عدة من الاعتداء والعنف ضد الأطفال، بعد تحول تلك الحوادث إلى ظاهرة في ظل الانتشار الواسع لمقاطع الفيديو والصور التي تبرز مثل تلك الحالات، والتي وصل بعضها إلى أروقة المحاكم.
ويدور الكثير من الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي بالمملكة، ما يعكس امتعاض وغضب شريحة واسعة من السعوديين من تنامي الظاهرة، عقب كل حادثة مشابهة توثقها كاميرا هواتف ناشطين، أو طلاب مدارس يتعرض زملاؤهم لسوء المعاملة من قبل المدرسين في الفصول.
تجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية قد صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1996م واتفاقية منظمة العمل المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام، وعهد حقوق الطفل في الإسلام الصادر عن منظمة التعاون الإسلامي في سنة 2005م فيما يتعلق بحماية الطفل من العنف الأسري.
كما صادقت المملكة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل 2015م الذي يهدف إلى حماية الطفل من كل أشكال الإيذاء والإهمال ونشر الوعي بين أفراد المجتمع بحقة في الحياة وخطر أي أعمال قد تضر بسلامة الطفل أو صحته البدنية، كما تم إنشاء مركز اتصال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتلقي بلاغات ضد تعنيف المرأة والطفل وتفرض عقوبات وغرامات لمن يتسبب في إيذاء الطفل بدنياً أو نفسيا.
الرياض السعودية-