عبدالله بن بخيت- الرياض السعودية-
بين فترة وأخرى يتيح لي مقهى ستار بوكس الذي تعودت قضاء بعض النهار فيه أن التقي شابا اميركيا من أصل افريقي. يحمل شهادة جامعية ويعمل في أحد البنوك ويتقاضى راتبا جيدا وينتظر مع خطيبته إجراءات القرض ليبدأ عائلة صغيرة جديدة في هذه الحياة. لم يكن على قدر عال من الثقافة إلا انه مهني وعلى قدر كبير من التعقل. من الصعب أن تجلس مع اميركي اسود لا يكون حديث العنصرية الاميركية واردا في الحوار، كما من الصعب أن يجلس رجلا غير مسلم مع مسلم دون ان يمر الحديث عن الإرهاب. أعجبني موقف هذا الشاب. لا يضع كامل مسؤولية الاخفاقات التي يعاني منها السود في أميركا على الرجل الأبيض. هذه نقطة يعجز كثير من الناس تفهمها. صراع الأقلية مع الأكثرية أزلي. تتغير اشكاله وابعاده ولكنه يبقى. تتحمل الأغلبية جزءا من المسؤولية وتتحمل القوانين والأنظمة جزءا ثانيا، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على الأقلية. كان أساتذتنا يرددون على مسامعنا حكمة تقول:
العلم يرفع بيتا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف.
في عصرنا وإلى حد كبير في العصور القديمة في البيئات المتحضرة والمستقرة يحظى رجل العلم بمكانة خاصة في المجتمع مهما كان أصله أو دينه. لو استعرضت تاريخ الثقافة الإسلامية ستجد أن اهم العلماء والفقهاء وجلساء صدر المجلس مع السلطان تعود أصولهم إلى الطبقات البسيطة والهامشية واكثرهم مما يعرف بالموالي. بالتأكيد يبذل القادم من الأقلية مجهودا أكبر لكي يصل إلى المقام الرفيع ولكنه في النهاية يصل. عند مقارنة اليهود والسود في أميركا ستجد أن الماضي كان متشابها لولا أن اليهود لم يركزوا على بكائياتهم أو الارتكان إلى الإحساس بالظلم. اعتمدوا العلم والمعرفة طريقا آخر حتى اصبحوا اليوم سادة أميركا بلا منازع. الظلم والتهميش مهما تضاءل حجمهما يمكن أن يكونا مادة للتأنيب والتواكل ويمكن أن يكونا قوة دفع لمزيد العمل. قاعدة العلاقات الإنسانية الأساسية هي المصلحة. العلاقات التجارية والعلم وغيرهما من اساسيات الحياة تسهم دائما في تغيير المواقع.
الأعمال التي يكون البذل والجهد والذكاء الفردي شرطا فيها يتدنى فيها إحساس الطائفية أو الأقلية أو العرقية. عندما يحتاج المرء إلى طبيب أو شريك تجاري ماهر او مهندس يثق به لن يسأل عن أصله أو منبته. سيسأل عن إنجازاته وتاريخه المهني.
الأقليات التي تتوقف عند الشكوى والتذمر والاستناد على المظلومية يزداد سقوطها في الهوامش ويزداد عليها ضغط العنصرية أو الطائفية فتقع فريسة للأقلية المتوحشة النابعة من داخلها والمستفيدة من الصراع الطائفي أو العنصري. في الصراع الطائفي على سبيل المثال ستجد أن رجال الدين في طائفة الأقلية أكثر الناس انتهازية وتحقيقا للمكاسب، وأكثر الناس سعيا إلى تكريس التصارع المذهبي. إذا دققت ستجد أن خطابهم الثقافي أو الديني عدمي. يضخم المظالم ويهمش المساحة التي يمكن أن تستفيد منها الأقلية للخروج من الواقع السيئ وتلتقي فيها مع الأكثرية. ستجد في الطائفة التي تحس بالظلم أن رجل الدين فيها اسمى مكانة وأكثر قداسة من رجل الدين عند الأكثرية. الخطورة في العنصرية أو الطائفية هي ظهور طبقة تستفيد من الوضع.
تحطيم هذا التهميش لا يمكن أن يتم بالنضال السياسي أو بالمطالبة بسن قوانين فقط ولكنه ينجز بالحضور في حياة الوطن والناس والإسهام الجاد في البناء والحضارة. نصحت الرجل الأميركي الشاب أن يترك سواد بشرته خارج عوامل صراعه في هذه الحياة. يجب ألا يستفيد منه لإنتاج الاعذار والهروب من المسؤولية. إذا كان رئيسك عنصريا أثبت له أنك أفضل موظف بأن تدفع ثمن هامشيتك مزيدا من الجهد والعمل.
أي أب يشعر بضغط العنصرية أو الطائفية لن يستفيد أبناؤه إذا علّمهم الاحتجاجات والمظاهرات والصراعات أو التذمر، السبيل الأمثل للخلاص أن يأخذهم إلى الجامعات. لن تغير الماضي ولكنك بالتأكيد تستطيع أن تغير المستقبل..