يرجعنا مسلسل «سيلفي» في حلقته «على مذهبك» إلى أصل السؤال، هل اخترت مذهبي؟! هل كنتُ مخيّرة لأكون سنّية المذهب والهوى، أم مسيّرة لأنّي وُلدتُ في أسرة سنّيّة؟! ولو شاءت الأقدار وحدث ما حدث في قصّة «سيلفي» هل كنتُ سأتقبّل كوني شيعيّة ولست سنّيّة؟! وهل سأمارس الأمور العقائدية المناطة بأهل السنّة أم بأهل الشيعة؟! ماذا سأصنع يا ترى؟!
لا أعتقد أنّي اخترتُ مذهبي، لكنّي متعلّقة به حتى النخاع، وكذلك صديقتي جليلة، لم تختر مذهبها لكنّها متعلّقة به حتى النخاع، ولو تناقشنا لنقنع بعضنا بعضاً حول المذهب الناجي، لا أعتقد أنّنا سنخرج بحل وسطي، بل قد نفقد صداقة دامت عمراً كاملاً، ونحن ما زلنا في جدال عن الموضوع نفسه.
أصبحنا في دوّامة المذاهب، هذا «رافضي» وذاك «ناصبي»، على الأقل في البحرين، ومهما ذكَّرنا بوجود ديانات أخرى، يبقى النقاش والجدال والصراخ حول هذين المذهبين لا محالة، يمكن بسبب اتّساع عدد من يعتنق كل مذهب، ويمكن بسبب المكنة الإعلاميَّة التي تنخر في مذاهب النّاس، وتؤجّج الطائفيَّة بينهم، لأسباب يعلمها الجميع! المكنة الإعلامية ما هي؟! ومَنْ روّادُها؟! وهل هي داخل المجتمع البحريني أم خارجه؟! ولماذا تؤجّج، وما فائدتها من هذا التأجيج، ليس على المستوى الشخصي الذي نعرفه، ولكن على مستوى الأمم؟! وهل هناك فرقة ناجية؟! وهل نعلمها؟!
الجميع يظن أنّه الفرقة الناجية يوم القيامة، والمكنة الإعلامية سواء الخارجية أو الداخلية، وسواء في مواقع التواصل بقنواتها أو من خلال الكتابة الصحافية، تشعل الفتن في أغلب الأحيان، ولا تزكي الخطاب الوسطي، مع أنّ الخطاب الوسطي هو الذي يدعو الى الوحدة واللحمة الوطنية والى ردم الطائفية والالتفات الى الدولة لا الدين.
الدين لك أنت وحدك، هذا ما نعرفه، عندما تقوم بالخير أو بالشّر فانّك ستحاسب عليه، ولا أحد سيدخل قبرك ولن يعرف إن كنت من أهل النار أو من أهل الجنّة، لكن الدولة هي للجميع، وأهمّية الانتماء والمواطنة ومحاسبة الأنفس على هذا الانتماء والمواطنة هي ما يهمّنا جميعاً، من أعلى الهرم حتّى أسفله، فالدولة والمواطنة كما ذكرنا سابقاً أبعد من الحدود الجغرافية، وما تعزيز المواطنة والانتماء إلا يرجع لنا بمردود لا مثيل له.
«سيلفي» نجح في توعية الرأي العام، على الأقل توعية بعض النّاس الذين يظنون أنّ مذهبهم أفضل من الآخر، وأنّ جلدتهم أفضل من الآخر، ونسلهم بالطّبع أفضل من الجميع، وهم لا يدرون أنّهم لو قاموا بتحليل (DNA) لوجدوا أنّ لديهم جذراً من كل قارّة في العالم، فكلّنا لآدم وآدم من تراب، أليس كذلك؟! ولكن من يطبّقها فعلاً بحذافيرها، فنحن لا نطبّقها بسبب العادات والتقاليد والعرف، ولأنّ الإنسان بطبعه يحبُّ التميُّز عن الآخرين!
نريد تعزيز المواطنة والانتماء، وهي مغروسة أصلاً فينا جميعاً منذ الأجداد، لكن نخشى من نخشاه من أولئك النافخين في الكير، لأنّ مصالحهم ستتضرّر إن تمّت المصالحة، وتمّ تعزيز المواطنة، ففي الدولة المدنيَّة التعايش والتسامح والمصالحة والانتقاد في الإيجاب والصلح والعدالة أساس من أجل تعزيز هذه المواطنة.
مريم الشروقي- الوسط البحرينية-