انقسم المسلمون في قرن الإسلام الأول إلى سنة وشيعة وخوارج، ثم خرجت المعتزلة بعد ذلك كثورة للعقل، ونشأت الأشعرية كثورة مضادّة على المعتزلة وعودة لسُنيّة ليست سلفية. وما زالت الفرق الإسلامية الجديدة تنشأ وتُستحدث إلى يومنا هذا. هناك معلومة أعتقد أنها صادمة لأغلبية المسلمين، معلومة لا يعلمها إلا من له اهتمام بالبحوث التاريخية، ألا وهي أن الخلاف بين السنة والشيعة كان كلاميّاً فقط، أي على صعيد التأليف في علم الكلام، ولم يحدث قط في كل هذا التاريخ الطويل أن اصطفت الصفوف في حرب عسكرية بين السنة والشيعة. في معركة صفين كان أهل بدر ومعظم الصحابة وكل رموز السلفية اليوم مع علي بن أبي طالب وليس مع معاوية إلا القليل. ولو أنك تتبعت كل معركة حدثت بين المسلمين في التاريخ فإنك لن تجد معركة طائفية واحدة، فقد كان الطرفان يتورعان عن قتل المسلمين. واستمر هذا الحال حتى زمن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ومشايخ الدعوة السلفية فقد تم القبول بالشيعة في المدينة المنورة والمنطقة الشرقية ونجران كجزء من نسيج الوطن السعودي الجديد، ولم يقل أحد إنه يجب عرضهم على الإسلام أو الجزية أو الموت. بل إنك تجد في الحرب العراقية/ الإيرانية أن الطيارين العراقيين، شيعة وسنة، يحلقون بطياراتهم العسكرية ويضربون إيران من أجل العراق، وليس من أجل صدام حسين.
لكن الذي حدث بعد انهيار الدولة العراقية في 2003 وحلّ جيشها وترك الفوضى تسود، كان كارثياً. لقد أدرك العالم كله أن لدينا نقطة ضعف قاتلة، فصاروا ينخسون هذا الجرح ويزيدون الضغط عليه حتى عادت روح الثأر، وانشغل العرب والمسلمون ببعضهم، وأصبحنا نهدي لبعضنا الرؤوس في السلال! ثم ماذا؟! ألم نمل من الدماء والثأرات؟! العالم كله يتفرج عليكم ويضحك، وأحياناً يُشفق علينا من حماقاتنا، ألم تسأموا من هذه الحرب المذهبية الحمقاء الرعناء؟!
في العقود الماضية كان هناك مشروع اسمه (التقارب بين السنة والشيعة) تبناه عدد من المشايخ بطول وعرض العالم الإسلامي، لكن هذا المشروع قد تبين للجميع فشله الذريع. فشل لأن كل طرف كان يحاول أن يُقنع الطرف الآخر بتغيير مذهبه. هذه المحاولات ليست بجديدة، بل هي قائمة على قدم وساق منذ أيام الأمويين والعباسيين، ومنذ ذلك الحين إلى الآن كان الذين يغيّرون مذاهبهم قلّة قليلة جداً وتجربة لا يمكن تعميمها، فتغيير المذهب يحتاج لشجاعة نادرة جداً.
دراما خلف الحربي وناصر القصبي نواياها حسنة فيما يتعلق بهذا الموضوع، لكن شعار (أحبوا بعضكم) لا يخلو من سذاجة ولا عقلانية، فالمحبة قدر زائد عن المطلوب ومشروع خاص بين الناس، ولا يمكن أن نخاطب فرداً بصيغة الأمر في هذا الشأن.
ليس هناك حل إلا حل واحد، هو التعايش السلمي تحت راية الوطن الواحد، هذا هو القدر الواجب، فلا أنا بقادر على صرفك عن مذهبك، ولن تقدر أنت على إقناعي بتغيير مذهبي. إذن فالواجب علينا أن ننتبه أولاً على الصعيد الوطني، وثانياً على الصعيد العربي، وثالثاً على الصعيد الإسلامي، فلا نسمح بطرف خارجي يأتي فيوقظ الفتنة ويشعل النار ويبعث حديث الثأرات من جديد.
خالد الغنامي- الشرق السعودية-