الوحدة الوطنية أهم العوامل في أمن الوطن وأمانه فهي تجعل المواطنين صفًا واحدًا في مواجهة أي خطر يستجد ويتهدد الوطن وأهله، وهذا يعني أن يكونوا جميعًا في مواجهة الخطر صفًا واحدًا وإن اختلفت مذاهبهم أو طوائفهم، ذلك أن حماية الوطن مقدمة على أي شيء آخر، فهو الذي يعيشون على أرضه ويتمتعون بخيراته، فإذا لم يكونوا قادرين على حمايته بسبب تفرقهم أحزابًا وفرقًا يناهض بعضها بعضًا أو يكفر بعضها بعضًا لما استجد على بعض مجتمعاتنا من تكفير المسلمين، ثم يتلو تكفيرهم إزهاق أرواحهم وكما يقولون تكفير يقود إلى تفجير، وهؤلاء الصبية الذين سلبت عقولهم إنما ينتحرون بالأحزمة المتفجرة وسط جماعات من أبناء وطنهم ما فعلوا ذلك إلا أنهم أقنعوا أن من يقتلونهم بهذا التفجير كافرون، وهم بزعمهم يقاتلونهم جهادًا في سبيل الله، لذا فأول عوامل ايجاد الوحدة الوطنية مناهضة هذه الأفكار الضالة، وعدم السماح بانتشارها، ومنع إقامة الجماعات الحزبية المتطرفة وبث روح المقاومة لذلك كله بين المواطنين، لأن في هذا خطرًا على أمن مجتمعهم، ويجب منع كل ما فيه غلو في الدين او تشدد فيه فهو أعدى أعداء اللحمة الوطنية الواجبة المانعة للأخطار أن تتهدد الوطن في كيانه وأمنه، فالغلو في الدين هو ما جلب الفرقة بين المسلمين، حيث غلا فيه من لم يعرف حقيقته، ورأى غيره إما غير مسلم أو فاسقًا أو مبتدعًا وهكذا عندما انتشر في الفكر الاسلامي الفرق المتعددة ظهر الغلو الذي كاد صاحبه أن يجعل كل المسلمين في النار إلا هو ومن يسير على نهجه، وتأول نصوصًا شرعية دلت بظاهرها على ذلك ولكنه لم يفهم معها مجموع النصوص التي تمنع ان يحكم لأحد من المسلمين بجنة أو نار وأن المسلم وإن عصى مصيره إلى الجنة، بعد أن يرد النار إن كانت معاصيه أكثر من حسناته فقضى عقوبته فخرج منها إلى الجنة وإن كثيرًا من النصوص تجعل الجنة لمن آمن بالله ورسوله وشهد الشهادتين، وكان المسلمون لا يبحثون عن ما يكفر المسلم، بل يتأولون أقواله ويحملونها على أحسن محاملها حتى لا يحكموا عليه بدخول النار.
والغالون في شرع الله اليوم يخرجون المسلم من دينه لأتفه الأسباب، ظنًا منهم أن هذا التشدد يمنع الناس من ترك الدين أو التساهل فيه، وما علموا أن تشددهم إن كان لهم مكانة يجعل الناس يبتعدون عن الدين، لظنهم أن فيه غلظة هؤلاء وتشددهم، حتى إن ما نراه اليوم من بعض شبابنا من التمرد على المجتمع وقبول الأفكار المنحرفة إنما هو بسبب هؤلاء الغالين وما يقرعون به أسماعهم ليل نهار، وإن نهضة علمية للنظر في موروثنا الإسلامي ومناقشة ما فيه من غلو، خاصة في فكر الجماعات التي طرأت في مجتمع المسلمين واعتمدت الغلو فيه مذهبًا، وتحزبت ضد جميع مذاهب المسلمين وفرقهم، حتى أصبح بينها وبينهم عداء سالت على أثره الدماء كالخوارج في زمنهم القديم وفي الأزمان اللاحقة وحتى يوم الناس هذا.
فالفكر الخارجي كارثة أصابت الفكر الإسلامي وتسللت إليه، وإن لم نواجهها علميًا وأينما وجدناها رددنا عليها وحذرنا المسلمين منها وإلا فإنا نفتح الباب لهذا البلاء الذي عانينا منه زمنًا طويلًا وما نسميه اليوم الارهاب، وهو في عرفنا الاسلامي حرابة لها في شرع الله حد لو طبق لحدَّ من هذه الظاهرة الخبيثة إلى أقصى حد، ولعل ما يمنع الكثيرين من تتبع هذه الافكار انه يحمل بعضها، بل ساهم في نشرها، وهو حتى اليوم يؤمن ببعضها، والعالم المسلم الذي يسعى الى الحق ولا يرتضي سواه، ويطلب مرضاة الله تعالى سيبحث مع المخلصين عن جذور هذه الأفكار ليرد عليها ويبطلها حتى لا يعود لها أتباع في وطننا، فهل يفعل ذلك العلماء ؟..هو ما نرجو والله ولي التوفيق.
عبدالله فراج الشريف- المدينة السعودية-