لا أحد يولد بمشاعر سلبية تجاه الآخرين والحياة، إلا المجبولون خلقيا على ذلك، بمعنى أن تركيبتهم الجينية تحمل هذه السمات وراثيا، ومع هذا فإن فئة من هذه الشخصيات يمكن تكييفهم فكريا وسلوكيا على التسامح والإيجابية في ظروف اجتماعية وثقافية معينة.. أخطر ما يهدد الترابط البشري في أي ثقافة اجتماعية، هو «قوالب التصنيف» وهي ان يتعلم الناس كيف يقسمون بعضهم في تصنيفات متمايزة لتعميق فكرة الطبقية أو الفوقية، سواء على اساس (الجنس) كأن يعلى شأن الذكور على الإناث.. أو على أساس ممارسات أخري أو تصنيفات مذهبية، أو مناطقية، أو قبائلية، أو تيارية فكرية.. والتصنيفات التي يتعلمها الناس مستمرة وتتعدى ما ذكر وليس المجال هنا لإحصائها.. الكارثة الاجتماعية أن يتعلم الأفراد هذه التصنيفات لأجل «الكراهية» أو الازدراء أو الاحتقار وهم لا يعلمون ذلك.. فالعقل، والنفس البشرية عندما تخاطب بلغة التصنيف القائم على فكرة؛ الأفضل، الأعلى، الأقل، الأكبر، الأقوى، يجتاحها شعور قلة الاحترام تجاه الأشياء أو الفئات التي تم تصنيفها في مرتبة أقل، وهذه النظرة الدونية من فئة تجاه أخرى تخلق فجوة كبيرة بين شرائح مجتمعية متعددة، فهناك الفئة التي تشعر بالفوقية في مقابل أخرى ترى نفسها الأحق بذلك.. هذه التوجهات المحملة بالسلبية والعداء تعتبر مناهج مريعة في مدرسة الكره.. التصنيف لأجل التمييز فقط يعد أحد أركان الكراهية، ويقف على هذا الركن مؤامرات وحروب وفتن بشرية مخزية.. فالكراهية خطوة أولى لتعلم بشاعة أشد منها، اسمها «الإيذاء».. التصنيف لأجل التمييز ولو كان ضمنيا في الأنفس والعقول بدون مجاهرة هو في حقيقته بخس للحرية والاحترام والإنسانية والنبل.. من تعلم الكره لا يمكن أن يرى الأمور والأشخاص والحياة بطريقة طبيعية.. التصنيف لأجل التمييز يعني أنك انسان محمل بأفكار وأحكام مسبقة عن الآخرين، يعني أنك تحمل صورا ذهنية وتوجهات سلبية غير حقيقية وغير عادلة في كثير من أحوالها.
د. طرفة عبدالرحمن- اليوم السعودية-