مرّ وقت طويل على إطلاق شعارنا المتجدد «لا للطائفية» وإن كان شعار الوسطيين، فإن الضرورة حتمت علينا إطلاقه في فترة غالى البعض في مسألة التحيز للنوع والقبيلة والمذهب، ولما في ذلك التحيز من خطر على اللحمة الوطنية كان لا بد من مجابهة هذه الفكرة وإجهاضها، ولن نقول إننا وبمجرد إطلاق هذه الجملة قضينا على هذا الداء، غير أنها كانت رسالة قوية لمن وراء ذلك النهج، مفادها أن المجتمع يرفض الانقسامات المبنية على الاختلافات الفكرية في جميع المجتمعات على وجه الأرض، حيث تنتفي فكرة التطابق نهائيا، البعض لم يسلم بهذه الحقيقة، بل يرفضها تماما ويحاول كلما سنحت له الفرصة إثارة هذا الاختلاف، وجعل منه قضية كبيرة قاعدتها تكفير المختلف وإخراجه من الملة، وإن كان في ذلك مخالفة وتعدٍّ إلا أن مثل هؤلاء اعتادوا على إطلاق أحكامهم، وهم يعلمون يقينا أن لا أحد سيعارضهم أو يطالب بالإنصاف نتيجة تعديهم على جوهر الآخر الذي لا يعلم حقيقته إلا الله، وإن صنفوا مرضى بالطائفية إلا أن الوقت قد حان لمعالجتهم، لأن خطرهم بات أكبر في هذه الوقت الذي نـحتاج فيه للأصحاء من أصحاب النهج المعتدل المخلصين لوحدتهم الوطنية، وليس أصحاب التحزبات والانتماءات الخارجية التي لا تهتم إلا لفكر الجماعة وسيطرته، حتى على حساب أوطانها، والتاريخ لم يسجل لأصحاب هذا النهج أي إنجاز في سبيل رفع شأن الأمة «التي يدعون نصرتها» وإخراجها من مستنقع الفقر والتشرد، بل دون صفحات مليئة بالتآمر والاغتيالات والتخريب، وهنا المفارقة العجيبة، حيث إن المجتمعات التي نعاديها لكفرها هي من بنت وطورت الحضارات الإنسانية ونحن من ندمرها، وهذه الحقيقة نعترف بها في الداخل لكن حب التسلط المغلف بالجهل يدفعنا للمضي في طريق حالك الظلمة، ما هو مطمئن أن أصحاب هذه الدعوات التكفيرية معروفون، وتأثيرهم لا يتعداهم وفئة بسيطة من المغرر بهم، وفي هذه الحالة علينا ألا نقف طويلا أمام ما يصدر عنهم، بل التهميش وعدم إثارة الأمر كفيلان بدحرهم، ويكفينا أن الدولة بجميع رجالاتها تحارب هذا الفكر وأصحابه، لذلك يجب على المعتدلين الاستمرار في تقريب وجهات النظر، وإشاعة روح التسامح بين الجميع، وهذا نهج الأنبياء والمصلحين، والذين أوصلوا رسالاتهم للبشرية بالرفق واللين وليس التطرف والقتل، وهما كانا نهج الطغاة والمفسدين منذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض.
فاطمة آل تيسان- الوطن السعودية-