أحمد التيهاني- الوطن السعودية-
ماذا سيكتب الأديب الفلسطيني يحيى يخلف، صاحب رواية: "نجران تحت الصفر"، لو أنه عاد إلى نجران، وعاش فيها خمس سنوات أخرى؟
قد يكتب رواية جديدة، عنوانها: "نجران فوق التمذهب"؛ لأن تاريخ نجران الحديث، وطبائع أهلها المؤمنين شاهدا عدلٍ على أن النجرانيين لا يعرفون الطائفية في شكلها العدائي الممقوت، فلا يعتدون على مختلف أو مخالف، ولا يسمحون بإيجاد مَدخل لمن يريد أن يستغل المذهبية في شق الصف، والإخلال بالأمن، والإضرار بنعمة الوحدة الوطنية.
وقد يكتب رواية جديدة، عنوانها: "نجران ذات الصدرين"؛ لأن لها صدرا حدوديا صامدا يشكل درعا وطنيا أمام قذائف العصابات الحوثية، وصدرا داخليا صامدا أمام غدر الإرهابيين، وبشاعة أفكار الطائفيين.
يحيى يخلف، قد يختار لروايته الثانية شخصيات جديدة، تمثل أصالة النجراني ووطنيته وإبداعه وثقته بالله، فيجعل من الشهيد علي آل مرضمة -رحمه الله- أنموذجا للشخصية النجرانية الوطنية النامية القادرة على استيعاب معنى الانتماء إلى الوطن، والفداء بالروح من أجل أهله، ويجعل من ابنه سعيد أنموذجا للأديب النجراني المحبوب من كل عارفيه، والفاعل والمتفاعل مع كل فعل ثقافي وطني، ويجعل من الشاعر والمسرحي صالح زمانان اليامي أنموذجا للمبدع النجراني المجنون الذي استطاع أن ينحت في الأذهان إبداعه المختلف، ليكون علامةً فارقةً في أكبر المحافل الثقافية الوطنية، ويجعل من صالح سدران أنموذجا للشاب النجراني القادر على الإبهار بحسن إدارته، ومحبته لأنداده في جهات الوطن كلّها، ويجعل من فاطمة آل تيسان أنموذجا للمرأة النجرانية المتماهية مع قضايا الحرائر من بنات جنسها في مشارق الوطن ومغاربه، ويجعل من سالم اليامي وناصر اليامي أنموذجين للأقلام النجرانية الغيورة على الوطن بمكوناته كلها، ويجعل من الوزير محمد أبو ساق أنموذجا للـ"تكنوقراطي" النجراني القادر على استثمار خبراته العسكرية والإدارية في صناعة المسؤول الأنموذج خلقا وأداء.
سيجد يحيى يخلف في نجران وأهلها مادة روائية مختلفة عن مادته الأولى، وسيغوص قلمه في تصوير تفاصيل كثيرة تشهد كلها على أن هذه المدينة المؤمنة، وأولئك الرجال والنساء، هم "الوطن" بكل ما يمكن أن توحي به هذه اللفظة، وأنهم لا يعرفون من "الطائفية" سوى ما يقرؤونه عنها ليمقتوها وأهلها.
ندرك أن الدواعش والمتعاطفين معهم، وواضعي أصولهم الفكرية جهرا أو سرا، لا يفرقون في الاستهداف بين سنة وشيعة؛ فهم يكفرون -أصلا- المنتمين إلى الطوائف الإسلامية كلها، ويرون ردة من لم يكن منهم من أهل السنة وغيرهم، وعليه فإنهم يرون المسلمين جميعَهم أعداء باستثناء أنفسهم، وهي حال مبنية على فكرة: "الفرقة الناجية" القائمة على تنزيه الذات، وتكفير المختلف.
وندرك أن غباء قياداتهم، وغباء من يتبعهم في حقيقته، وهو يظن أنه ضدهم، يأخذهم إلى توهّم القدرة على صناعة فتنة طائفية بين "الأهل"، وهو ما لن يكون إلا في أحلام المتربصين بنا.
ومع ما ندركه، يتحتم أن نقف في وجه كل من يرفض وصف الشهداء بالشهداء، وأن نستحدث القانون الحلم الذي يجرم الطائفية، ويدين الطائفيين بالخيانة الوطنية؛ لأنه لا توجد تهمة تليق بهم سواها.