عبدالله فدعق- الوطن السعودية-
لم أكن أظن أننا سنختلف ـ في ظروفنا هذه ـ على لفظة (الشهيد) وإطلاقها على ضحايانا الذين انتهت حياتهم بهذه الأعمال الإجرامية البغيضة؛ أملي من الممانعين لإطلاق لفظة الشهيد على ضحايا الإرهاب أن يتنازلوا لصالح ما ذكر من أقوال العلماء
كما علمت؛ عزَّ على بعض الشرعيين وبعض المثقفين مؤخرا إطلاق لفظ (الشهيد) على الشيخ علي آل مرضمة، الذي فدى بنفسه المصلين الذين جمعهم مسجد (المشهد) بنجران الحبيبة.. لم أكن أظن أننا سنختلف ـ في ظروفنا هذه ـ على لفظة (الشهيد) وإطلاقها على ضحايانا الذين انتهت حياتهم بهذه الأعمال الإجرامية البغيضة؛ حتى لو قلنا إن الإمام البخاري عقد في كتاب (الجهاد والسير) من (الجامع الصحيح) ـ 6/ 89 ـ بابا بعنوان: "باب لا يقول: فلانٌ شهيدٌ"، وحتى لو قلنا إن مجموعة غير الإمام لم تجوز لأحد أن يشهد لشخص بعينه أنه شهيد، فيما لو قُتل مظلوماً، أو قُتل وهو يدافع عن الحق، إلا من شهد صلى الله عليه وسلم، أو اتفقت الأمةُ على الشهادة له بذلك؛ والعلة في ذلك عندهم أنه لو شهدنا لأحدٍ بعينه أنه شهيد، لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة، وهذا خلاف ما كان عليه السلف.
لا أدري كيف علم الممانعون أن الإمام البخاري قصد بقوله المنع المطلق، ولم يقصد المنع المقيد بالجزم، خاصة أن الحافظ ابن حجر، علق في كتابه (فتح الباري) ـ (6/106) ـ على عنوان الإمام البخاري قائلا: "أي على سبيل القطع بذلك.. وأطبق السلف على تسمية المقتولين في بدر وأحد وغيرهما شهداء، والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب، والله أعلم".. ونفس هذا الرد أورده عالم آخر هو فضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور؛ قال في كتابه (النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح) ـ ص: 91 ـ عن تبويب الإمام البخاري؛ إنه: "تبويب غريب؛ فإن إطلاق اسم الشهيد على المسلم المقتول في الجهاد الإسلامي ثابت شرعاً، ومطروق على ألسنة السلف فمن بعدهم، وقد ورد في حديث الموطأ، وفي الصحيحين: أن الشهداء خمسة غير الشهيد في سبيل الله، والوصف بمثل هذه الأعمال يعتمد النظر إلى الظاهر الذي لم يتأكد غيره، وليس فيما أخرجه البخاري هنا إسناداً وتعليقاً ما يقتضي منع القول بأن فلاناً شهيد ولا النهي عن ذلك، فالظاهرُ أن مرادَ البخاري بذلك ألا يجزم أحد بكون أحد قد نال عند الله ثواب الشهادة،؛ إذ لا يدري ما نواه من جهاده، وليس ذلك للمنع من أن يقال لأحد: إنه شهيد، وأن يجرى عليه أحكام الشهداء، إذا توفرت فيه، فكان وجه التبويب أن يكون: باب لا يجزمُ بأن فلاناً شهيدٌ ..".. وقال الإمام النووي في باب بيان الشهداء، في شرحه لصحيح الإمام مسلم، عن الحديث الذي أورده الشيخ ابن عاشور: "قال العلماء: إنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها.. والمراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله؛ أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم.. والشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرا"..
أملي من الممانعين لإطلاق لفظة الشهيد على ضحايا الإرهاب أن يتنازلوا لصالح من ذكرت من العلماء؛ لئلا يفهم من استماتهم في الحيلولة دون ذلك قلة اعتقادهم في فضل الله سبحانه وتعالى.