فهد عامر الأحمدي- الرياض السعودية-
كانت الدول المستعمرة تلجأ لإثارة النزاعات المحلية لحماية مصالحها وتخفيف الضغط عليها (وبهذه الطريقة استطاعت مجموعة صغيرة من الإنجليز استعمار بلاد كبيرة كالهند).. ونفس الإستراتيجية يطبقها اليوم الزعماء المرفوضون من شعوبهم في عالمنا العربي.. ذات الخطة القديمة يطبقها اليوم قادة النزاعات المحلية حيث لا يهم عدد الضحايا وأنهار الدم طالما احتفظوا بمناصبهم ونالوا امتيازات اقتصادية يعجزون عن تحقيقها في الأحوال العادية..
.. من خلال ملاحظاتي الشخصية اتضح لي وجود استراتيجيات مشتركة (ومكررة) يعتمدها زعماء الفتنة لتأجيج النزاعات الأهلية.. ما عليك سوى تحليل ما كان يفعله طغاة سابقون مثل الجنرال فرانكو في أسبانيا، وميلوسوفتش في يوغسلافيا، وبول بوت في كمبوديا، وما يفعله اليوم بشار الأسد في سورية، وعلي صالح في اليمن، وملوك الطوائف في العراق..
فكي تصنع حرباً أهلية عليك بتأجيج خلاف تاريخي أو مذهبي أو عرقي نسيه الجميع منذ قرون (ولا داع لظهورك باستمرار كي لا تتورط لاحقا في جرائم إبادة بشرية.. دعاة الفتنة سيكملون المسيرة وحدهم)!
أما ثانيا فعليك نسيان الأيدلوجيا (واترك أمر الصراع عليها للغوغاء وعوام الناس) وانتسب دون تردد للتيار الأقوى والأكثر أتباعاً في البلاد..
وحين تثبت ولاءك للطرف الأكبر ارسم صورة شيطانية للطرف الأقل الذي كان يعيش معك بسلام طوال قرون (وخذ كمثال الزعيم الصربي ميلوسوفتش الذي شن حرباً أهلية في البوسنة بحجة تطهير المنطقة من الأقلية التركية التي استوطنت المنطقة قبل.. خمس مئة عام)!!
وإن لم تجد خلافاً تاريخياً أو مذهبياً تعيد إحياءه (وهذا أمر نادر بالمناسبة) اخترع قضية سامية يتبناها العقل الجماعي مهما كانت تافهة أو غامضة أو غير ذات معنى (فالخمير الحمر في كمبوديا أبادوا ثلث الشعب الكمبودي بحجة.. إعادة تثقيف الشعب)!
وكي تميل الكفة لصالحك عليك تكميم العقول المتسامحة والأصوات المخلصة والدعوات المطالبة بالحوار والتعايش ونبذ الخلافات (وبالذات التي تحاول إخبار الناس بحقيقة المستفيدين من إدارة الصراع)..
ومن المهم جداً أن لا تتأثر أنت بالمبادئ والأكاذيب التي اخترعتها بنفسك.. فالقائد الماكر لا يغلق كافة الأبواب خلفه ويترك لنفسه فرصة التراجع والتنقل بين مختلف القوى (وخذ كمثال الجنرال ميشال عون في لبنان الذي تنقل عدة مرات بين معارض ومساند للنظام السوري)..
أما أهم نقطة في كيفية صنع حرب أهلية فهي أن تبحث لك عن راعٍ رسمي (تماما مثل برامج المسابقات التلفزيونية).. فالنزاعات الداخلية لا تستطيع الاستمرار دون مساعدات خارجية.. فكر بالحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وداعش في سورية؛ ثم اسأل نفسك: كيف يمكنهم الاستمرار لولا وجود (داعم رسمي) يدفع رواتب القادة والجنود وثمن الأسلحة والعتاد ويحمل الذخيرة إلى عتبة الباب!
.. وفي النهاية لا تعتقد أنني آتيك بشيء جديد ؛ فالمطلعون على بواطن الأمور يدركون هذه الحقائق ويعرفون أن هناك دائماً أمراء حرب وقادة محليين يعتاشون من تأجيج الصراعات الداخلية.. يعرفون أنهم يبنون ثرواتهم ويحتفظون بمناصبهم من تجارة الأسلحة (كزعماء الميليشيات في الحرب اللبنانية) أو استلام المعونات من الأطراف الخارجية (كزعماء الطوائف في العراق) أو احتكار التهريب وتجارة المخدرات (مثل طالبان التي تحتكر زراعة الحشيش في أفغانستان، أو مجموعة عبدالله صالح التي تتحكم بتجارة القات في اليمن)!!
... باختصار؛
لا تصدق من يخبرك أن إشعال فتيل النزاعات الداخلية يحقق مصلحة وطنية أو يخدم رسالة دينية أو يبشر بحياة أفضل.. لا تصدق من يخبرك أن هناك أغلى من الروح البشرية أو حق أبنائك في العيش في وطن آمن ومستقر..
وحدهم دعاة الفتنة وأمراء الحرب وتجار الأسلحة من يستفيدون من كل ذلك.