محمد آل الشيخ- الجزيرة السعودية-
من يقرأ خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومقولاته في المجالس العامة، لا بد أن يلحظ أن (الدولة الوطن) بكل مكوناتها وحدودها ومفاهيمها وقيمها المعاصرة حاضرة في ذهنه حفظه الله، غير أنها على الأرض ما زال يكتنفها كثير من المنغصات الموروثة التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ وهذا يعني أن المملكة كوطن لجميع مواطنيه تشكلت جغرافيًا على الأرض، لكنها للأسف هناك قناعات لدى بعض مواطنيها، لم يفهموها بالشكل الذي يجعلها انتماء أول وهوية تعلو على أي انتماء سواها، بل ويرى المتأسلمون تحديداً أنها تتناقض مع الانتماء الموروث حسب الدين عند البعض وحسب اللغة والقومية العربية عند البعض الآخر.
ما يؤكده قادة هذه البلاد في كل شاردة وواردة أن الوطن اليوم هو هوية يتميز بها كل مواطنيه تعلو على كل انتماء، فمواطنوه متساوون كأسنان المشط في الحقوق والواجبات، أيًا كانت طوائفهم، أو مذاهبهم أو أعراقهم الأصلية التي ينحدرون منها. والجدير بالذكر هنا أن أول من رسخ مفهوم (الدولة الوطن) في تاريخنا هو المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي حدد اسمها كما هو عليه الآن وسمى مواطنيها سعوديين وأقر حدودها الجغرافية، واختار علمها الذي هو رمز وحدتها، وأسس نظامها السياسي الداخلي انطلاقاً من القرآن الكريم والصحيح الثابت من السنة المطهرة، ثم ما تقرره المصالح المرسلة التي يحددها فقط ولي الأمر الذي له في رقاب المواطنين بيعة شرعية معتبرة.
لكن السؤال: هل الوطن بهذه الهوية، وهذه المفاهيم المعاصرة والمتحضرة كما أراده المؤسس وكما سار على نهجه أبناؤه من بعده يحظى باعتراف مطلق واعتبار وقيمة كما هو لدى المواطن الغربي أو الشرقي مثلاً؟.. الإجابة بصراحة ودون مواربة (كلا) لدى البعض من المواطنين: وهناك كثير من الأسباب أهمها وأخطرها عائق (التأسلم السياسي) والتأكيد على التشرذم المذهبي الذي كان يتشربه السعوديون في محاضن التعليم والتربية المدرسية ومن ثم الأكاديمية، فقد استطاعت هذه الفئة المشرفة على هذه المحاضن ومناهجها ومقرراتها، فعلاً وليس قولاً، قلب مفهوم الدين من كونه علاقة خالصة بين العبد وربه، إلى جعله (أيديولوجيا سياسية) ذات بعد أممي وليس وطنيًا، تنظم علاقة المواطن السعودي بالآخر، والآخر هنا يمتد حسب أيديولوجيتهم ليشمل كل من يدين بالمذهب أو الفرقة الدينية التي ينتمون إليها، ويقصي ويستبعد كل من لا يدين بالمذهب، لتصبح في النتيجة الأخوة المذهبية مقدمة على الأخوة الوطنية فهم - مثلاً- يقدمون الباكستاني أو الأفغاني أو الشيشاني على السعودي الشيعي أو الإسماعيلي أو الصوفي، رغم أن الانتماء للوطن يضعه رسميًا وحسب قوانين الجنسية في مرتبة تتقدم على الأخوة المذهبية، وما زال بعض من أهل السنة السعوديين -مثلاً- يسمون الشيعي (بالرافضي)، وما زال الشيعي السعودي في المقابل يسمي السعودي السني بالناصبي وهي مسميات مذهبية بغيضة موروثة ومتخلفة، تنسف أول ما تنسف اللحمة الوطنية، والتي هي هويتنا الأولى حسب منطق المواطنة، وقواميس الدولة الوطن وقوانينها، لا دولة المذهب والمذهبية التي هي كفيلة إذا ما استشرت في أي مجتمع أن تنسف لحمته ناهيك عن أمنه واستقراره. وخير مثال لما أقول ما يجري الآن بين مكونات العراق اليوم من تطاحن وقلاقل ومحن، تجعله فعلاً معرض لخطر التفكك والتشرذم.
إنها دعوة صادقة أن نعمل على ترسيخ لحمة المواطنة وتجذيرها بين مكونات شعب الوطن، بغض النظر عن انتماء هذا المكون أو تلك الفئة المذهبية أو العرقية، وهو ما تبناه الملك المؤسس وسار عليه أبناؤه من بعده.