الرياض السعودية-
الوحدة الوطنية ركيزة ضرورية وعامل مهم وأساسي في توحيد اللحمة الوطنية واستشراء التكامل في كافة جوانب الحياة على أرض الوطن، ومما لاشك فيه فإن التكاتف المشهود بين الوطن وأبناءه والذي عرف منذ تأسيس هذا الدولة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، ساهم في تنوع مقومات الحياة التنموية، كما أن ما نشهده اليوم من استتباب الأمن بفضل الله يعود للإحساس الوطني من قبل الأبناء المخلصين لهذا الوطن الذي نحبه جمعياً محبة لا نشكك فيها أبداً.
بنيان مرصوص
بداية بعد الحمد والثناء والاستشهاد بنص آية قرآنية لقوله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا). وبحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة..) وقوله عليه السلام:( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، أوضح د. علي المطرودي -رئيس قسم أصول الفقه والأستاذ المشارك في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- بأن النظرة الشرعية واضحة وجلية فيما يتعلق بتحقيق الأمن والتفاف المواطنين مع بعضهم بمؤازة حكامهم وولاة أمرهم، وأنه بذلك تتحقق الأهداف السامية التي خلق الله البشر من أجلها وهي تحقيق العبودية لله تعالى، وتطبيق شرعه الحكيم، كما يعود ذلك على تحقيق مصالح العباد في أمور دنياهم من استتباب الأمن ورغد العيش والطمأنينة التي فقدت في كثير من بلاد المسلمين في زماننا.
وتابع المطرودي لقد كان لتوفيق الله عز وجل لحكام هذه البلاد المباركة بدءا من مؤسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله، ومن بعده أبنائه وإلى عهد الحزم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله ورعاه دورا بارزا في هذه النعمة التي نعيشها، وما كان ذلك ليتحقق لولا فضل الله عز وجل، ثم تطبيق ما شرعه من الحدود والتعزير على كل من تسول له نفسه ارتكاب ما حرم الله تعالى من الإفساد في الأرض والمحاربة والاعتداء على الحرمات.
وقال: علينا جميعا شكر الله تعالى على نعمة الأمن أولا، ثم الوقوف صفا واحدا ضد كل من يريد شق صفوفنا وخاصة مع تكالب الفتن، وكثرة الناعقين بها، حمى الله ديننا وبلادنا وولاة أمرنا وكل من يعيش على أرض هذا البلد من كل سوء ومكروه.
كما ذهب العقيد د.عبدالله سعيد الدوة -أحد منسوبي الأمن العام في شؤون التدريب- والذي كان له مشاركة سابقة بورقة عمل تناول فيها الوحدة الوطنية بجامعة الامام بعنوان "مفاهيم الوحدة الوطنية وأهميتها في بناء شخصية رجل الأمن،" وفي اجابته عن كيفية مساهمة رجال الامن المجتمعية في الوحدة الوطنية، ذكر بأن ما يقوم به رجال الأمن سواء على الصعيد الداخلي وعلى الحدود هو أكبر دليل على مساهمة رجال الأمن في بناء اللحمة الوطنية وتعزيزها، في ظل عزيمتهم وإصرارهم على حماية الوطن وحماية أموال الناس وأعراضهم وأنفسهم، وأن ذلك يصب في بناء اللحمة الوطنية وتعزيزها، كما يتضح من خلال العمليات الاستباقية التي قام بها رجال الأمن للقضاء على الفئة الضالة وتحجيم عملهم.
وأردف أن غرس الوحدة الوطنية في أبناء الوطن والعمل على تعزيز حب الوطن والقيادة يكون من خلال الأسرة، بتعبير الأبوين أمام الأبناء عن حب الوطن، واظهار سبب ذلك الحب بأنه نابعٌ من قيام ولاة الأمر في الوطن بتحكيم شرع الله، ولأن الوطن يحتضن اغلى ما يملكه المسلمون وهو بيت الله الحرام ومسجد رسوله وقبره الشريف.
منجزات الوطن
وقال الدوة: يجب أن يعبر الأبوين أمام ابنائهم عما يقدمه الوطن من خدمات جليلة تجاههم في شتى المجالات وبيان منجزات الوطن ومقدراته وضرورة الحفاظ عليها، وأن يوضح الأبوان لأبنائهم أن الافكار المتطرفة تؤدي بالمجتمع الى الهاوية.
وأوضح أن المدرسة لها دور يتمثل في عقد ندوات وورش عمل يشترك فيها طلاب العلم ورجال الأمن، توضح للطلبة من خلالها الولاء للوطن وانه امر تعبدي جاءت به الشريعة، وأن تهدف الورش والندوات للحث على حب الاوطان وعلى الاعتصام وعدم الافتراق، وأن يوضح من خلالها ما يقدمه الوطن لهم من انجازات في مجالات عدة كالتعليم والجامعات والطب والابتعاث وحجم المبالغ المالية التي تصرف من اجل اسعاد المواطن وجعله يعيش في بحبوحه من الرخاء والأمن الوارف الضلال ..الخ.
وأكد الدوة بأن ما تقوم به الأجهزة الأمنية لاسيما أجهزة وزارة الداخلية من أعمال خدمية وتسهيل أمور المواطنين والمقيمين وتسهيل الخدمات لهم وتقديمها بدون مقابل، هو أحد مقومات اللحمة الوطنية، وأن التكامل الملحوظ بين الأجهزة الأمنية ومحاربتها للأفكار الضالة له أكبر دليل على بناء الوطن.
تعاون المجتمع
وأشار أ.د. علي القرني -قسم الإدارة التربوية بكلية التربية بجامعة الملك سعود- إلى أن الوحدة الوطنية تعني الأمن والأستقرار ومن ثمراتها تنمية المجتمع في كل مناشط الحياة، موضحا أن دور التربية نحوها يتمثل في العمل على تعزيزها، وهذا دور يجب أن تشترك فيه الأسرة والمدرسة والجامعة.
وقال: بما أن مهمة التربية تقوم على إعداد الانسان الصالح فكراً وسلوكاً، فان نجاح التربية في تحقيق رسالتها يستدعي تعاون مؤسسات المجتمع، ومحاربة الفساد ونشر الشفافية بين أفراد المجتمع دون تمايز، وأن تحقيق ذلك يساعد التربويون على تصحيح أفكار التطرّف والغُلو والتصدي لها بفكر وسلوك يعايشه الناس في حياتهم اليومية.
من جانبه بين فهد حامد الجازمي- المستشار الأسري والتربوي ومدرب البرامج الأسرية والتربوية- بأن الوحدة الوطنية هي أساس الأمن والدعامة الأساسية له، وأن الأسرة هي البوابة للوحدة الوطنية التي من خلالها وفيها ينشأ الأبناء وتبنى وتغرس فيهم القيم والمبادئ، وأن وحدة الوطن تعتمد على وحدة وتماسك الأسرة وأفرادها، مضيفا ان القيم التي تغرسها الأسرة في الأبناء وينشؤون عليها تسهم في وحدة الوطن وتماسك أفراده وأمنه وأمانة ورغد العيش فيه، وإذا أردنا أن ننشئ وطنا آمنا ووحدة وطنية لابد أن نبني الوطن الصغير (الأسرة) بناء صحيحاً، لأن الأبناء لم يولدوا بأفكار متطرفة ولا بعداءات داخلية للمجتمع وولاة أمره وأفراده ورجال أمنه ومقدرات، وأن ذلك يتطلب الآتي: الاستقرار داخل الأسرة بين الوالدين، بناء الأمن النفسي للأبناء بناء صحيحاً، غرس محبة أفراد الأسرة فيما بينهم ومن ثم محبة أفراد المجتمع بعيداً عن أي انتماءات عرقية أو لون أو جنس أو قبلية أو منطقة، تنشئة الأبناء منذ نعومة أظفارهم على أن حب ولاة الأمر والسمع والطاعة لهم أمر شرعي ودين يدينون الله به، وبناء هذا الحس لديهم وربطهم بولاة أمرهم وحبهم وتقديرهم وتثمين جهودهم وتقديرها لهم واحترام أشخاصهم وعدم قبولهم لما يقال فيه، التدين الصحيح الواضح والبعد عن الغلو والتطرف للوالدين يحمي الأبناء من الإنحرافات الفكرية التي تهز الوحدة الوطنية، وعلى الأسرة أن تغرس في الأبناء أن المساس بأي جزء من الوطن ووحدته أو بأحد من أفراده أو مؤسساته يعني المساس به، ومتابعة الأبناء ومعرفة اتجاهاتهم الفكرية من خلال الأسرة ونزع الشوائب ووأدها في مهدها، ودمج الأبناء في المجتمع وعدم عزلهم عن الأحداث وإطلاعهم على مخاطر الأفكار التي تهدم الوحدة الوطنية ومحاورتهم في آثارها عليهم وعلى وطنهم وأهلهم وأمنهم واستقرارهم، الى جانب ان تبني جميع أفراد المجتمع ومؤسساته للأبناء وقبولهم وتقديم الخدمات لهم ينمي عندهم الإحساس بالوحدة الوطنية.
مشيرا الى انه بحسب دراسة سابقة أجرتها وحدة استطلاعات الرأي العام في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، حول التصنيفات الفكرية لأضعاف الوحدة الوطنية، فقد أجاب 53% أن تلك التصنيفات تسهم في إضعاف الوحدة الوطنية.