إنترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة وتحرير - الخليج الجديد-
يشعر المجتمع الدولي بالانزعاج بفعل التصعيد الحاد للتوترات في الشرق الأوسط. تتنافس كل من السعودية وإيران في حروب بالوكالة في كل من العراق وسوريا واليمن. ولكن زيادة التوترات بعد مقتل رجل الدين الشيعي «نمر النمر» قد قادت البلدان نحو مواجهة لفظية مباشرة. وهناك قلق من أن هذه المواجهة الكلامية بإمكانها أن تتحول كي تصير أكثر عنفا.
وعلى الرغم من أن مخاطر حدوث مواجهة مع إيران، القوة النووية المحتملة، ليست قليلة. فإن تصعيد التوتر الطائفي قد يكون في الواقع في مصلحة المملكة العربية السعودية على المدى القصير. تشعر المملكة العربية السعودية بالقلق منذ فترة طويلة بسبب تنامي نفوذ إيران، وقد تصاعدت هذه المخاوف في أعقاب الإعلان عن التوصل إلى الصفقة النووية مع الولايات المتحدة. الآن مع رفع العقوبات، فإنه يمكن إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي.
وقد انتقدت الحكومة السعودية الاتفاق النووي بشكل علني، ويأتي الاتفاق في وقت اعترفت الولايات المتحدة فيه أيضا بأهمية التعاون الاستراتيجي مع إيران من أجل هزيمة «الدولة الإسلامية». وبالنظر إلى التأثير الكبير الذي تتمتع به إيران على «الأسد»، فإنه لا مفر من إشراك إيران في أي صفقة محتملة بخصوص سوريا.
كان إعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، والأزمة الدبلوماسية اللاحقة له بمثابة تكتيكات دبلوماسية من قبل المملكة العربية السعودية بهدف تأكيد نفوذها على اللاعبين الإقليميين. ساهم الدعم القوي الذي حصلت عليه المملكة العربية السعودية من قبل كل من قطر والإمارات والبحرين والسودان في عزل إيران دبلوماسيا، كما أوصل رسالة إلى الولايات المتحدة حول مدى نفوذ المملكة العربية السعودية على اللاعبين الإقليميين.
إذا كان هناك شيء يخيف المملكة العربية السعودية حقا فإنها سوف تكون قوى الربيع العربي. سقوط «مبارك» و«القذافي» و«زين العابدين بن علي» قام بتحفيز مطالب مماثلة نحو أنظمة أكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط. رأت المملكة العربية السعودية أن ذلك الأمر يمثل تهديدا مباشرا لسلطتها. خلال الأيام الأولى، كانت المملكة العربية السعودية قادرة على منع الثورات من طرق أبواب الخليج عبر استخدام الإعانات السخية والفوائد المالية للملكية. وقد مكنها الموقف القوي لسوق النفط آنذاك من تقديم مثل هذه التحركات. اليوم، رغم ذلك، فإن الوضع يختلف كثيرا.
وتراجعت أسعار النفط إلى مستوى قياسي من حيث الانخفاض بلغ أقل من 28 دولارا للبرميل، في ظل عرض وفير مع تراجع ملحوظ في مستوى الطلب. انخفاض عائدات النفط يعني أن الحكومة السعودية ليست في وضع مالي قوي، وهذا يؤثر بدوره على الدعم وسائر المزايا المالية التي توفرها الحكومة من أجل تحجيم معارضتها. وبصرف النظر عن الفوائد الاقتصادية، فإن الطريقة الوحيدة الأخرى المتبقية للمملكة من أجل الحفاظ على قوتها هي من خلال مناشدة المشاعر القومية السنية.
ولكونها دولة تتمتع بأغلبية سنية، فإن مثل هذه النداءات سوف تلقى قبولا من قبل أغلبية السكان. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية تحوي أقلية شيعية تبلغ نسبتها 15 في المائة وهي تتعرض لإهمال فاضح من قبل النظام الحاكم. تشارك الأغلبية السنية الحكومة قلقها من تمرد الأقلية الشيعية. لذلك فإنه، ومن خلال خلق هذه الأزمة الدبلوماسية، فإن الحكومة السعودية قد اكتسبت بنجاح دعم الأغلبية السنية. تم توظيف الخوف من تصاعد تمد داخلي بدعم إيراني من أجل تأجيج المشاعر السنية. وسوف يساعد هذا الأمر النظام الملكي في إبقاء المعارضة بعيدا عن الخليج، في المدى القصير على الأقل.
إذا نظرنا إلى الوراء في هذه الاستراتيجية، فإن هناك سؤالين رئيسيين سوف يبرزان في مواجهتنا. أولهما هل سيكون هذا النوع من المشاعر السنية كفيلا بإبعاد المعارضة في دول الخليج على المدى الطويل؟ وثانيهما هو ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى الصراعات في كل من سوريا والعراق واليمن؟
بخصوص السؤال الأول، فإن تأجيج المشاعر السنية لن يكون كفيلا بإبقاء المعارضة بعيدا عن دول الخليج على المدى الطويل. لدعم هذا الشعور القومي، فإن الحكومة السعودية تقوم بتمويل الجماعات السنية في اليمن وسوريا والعراق. لا يمكن المحافظة على استدامة هذا الوضع من الناحية الاقتصادية على المدى الطويل وذلك لأن تكاليف الانخراط في مثل هذه الصراعات سوف تزيد من الضغوط الواقعة على الاقتصاد المتعثر بالفعل. وسوف يسهم هذا الضغط الاقتصادي في تأجيج المعارضة. حول السؤال الثاني، فقد أسهم هذا التوتر بالفعل في تعطيل محادثات السلام السورية. تنامي التوترات بين إيران والسعودية قد تؤدي إلى تكثيف الحرب بالوكالة بينهما وهذا يعني المزيد من القتال في اليمن والعراق وسوريا.
على الرغم من أن الأزمة الدبلوماسية الحالية قد تساعد الحكومة السعودية على تحجيم المعارضة في الخليج على المدى القصير، فإنها سوف تثبت أنها ستأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل. كما إن تصاعد التوتر لن تؤثر بشكل كبير على تحسن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، خاصة بعد أن اعترفت الولايات المتحدة بأهمية إيران في الحرب ضد «الدولة الإسلامية». للحصول على حل طويل الأجل لتحدياتها الداخلية والخارجية، فإنه يجب على المملكة العربية السعودية التفكير في حلول أكثر استدامة من شأنها أن تنطوي على إعادة هيكلة اقتصادها وإفساح المجال أمام مشاركة الشعب في الحكومة.