عبدالرحمن الوابلي- الوطن السعودية-
يجب التدخل السريع والجاد والوطني من قبل المسؤولين لدينا وعلى رأسهم مسؤولو الرئاسة العامة لرعاية الشباب واتحادا كرة القدم وكرة اليد. ولو كان ذلك بمعاقبة الأندية التي يهتف جمهورها بالهتافات الطائفية أو العنصرية أو المناطقية
منذ أن أوجد اليونانيون القدماء المسابقات والمنافسات الرياضية، في ما عرف بالأولمبياد عام 537 ق. م. والأخلاق جزء لا يتجزأ منها؛ حيث لا تكفي المهارات الرياضية واللياقات البدنية لوحدها، لتؤهل صاحبها للنصر، ولكن يجب أن يتحلى صاحبها جنبا إلى جنب بالأخلاق الرياضية، ليحقق النصر، وفوقها حب وتشجيع الجمهور المستمتع بالمشاهدة. أي أن من يحكم المباريات ليس فقط حكم واحد أو عدة حكام ولكن الجمهور كله، والذي يحضر المباريات ويكون أشد حرصاً من الحكام في الحكم على تمتع المتنافسين بالأخلاق الرياضية، لتكتمل متعتهم بالتفرج على المباريات. أي أن الأخلاق الرياضية هي مطلب جماهيري وليس فقط مطلب حكام أو لاعبين. وكما قال شاعرنا، إنما الأمم الأخلاق ما بقيت؛ والرياضة وبحق تجسد قمة التحضر والتمسك بالأخلاق والتحلي بها.
يقول نيلسون مانديلا "لا يوجد إنسان ولد يكره إنسانا آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه. الناس تعلمت الكراهية وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، إذاً فبإمكاننا تعليمهم الحب. خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية". وأرى أن الرياضة حقل خصب لزرع الحب والإعجاب بالمنافس الآخر، إذا كانت الأخلاق الرياضية هي أساسها ومبدؤها. ولذلك تم تأسيس وزارات أو هيئات لرعاية شؤون الرياضة في كل بلد من بلدان العالم؛ كون الرياضة أصبحت مؤشراً لا يخطئ على التحضر وسيادة الأخلاق.
قبل أسابيع وللأسف الشديد حدثت كارثتان رياضيتان أخلاقيتان لدينا، يستوجبان الوقوف عندهما والاهتمام والنظر فيهما بجدية من قبل مسؤولي رعاية الشباب. وإلا فالرياضة لدينا؛ ستنتج عكس ما وضعت من أجله إنسانياً ووطنياً، ستتحول وللأسف الشديد إلى عامل تفريق لا عامل تجميع،عامل كره لا عامل إعجاب، عامل سوء أخلاق، لا عامل تربية وتنمية أخلاق ووطنية.
حيث تعرض لاعبو نادي القارة لكرة اليد، من الأحساء، لاعتداء بالضرب في الملعب، في المباراة المقامة بينهم وبين نادي النجمة بعنيزة بالقصيم وسط هتافات فيها شيء من العنصرية والطائفية. وقبلها بأسابيع قليلة، تعرض نادي الخليج لهتافات أخرى من النوع ذاته أثناء مباراته مع نادي الرائد كذلك بالقصيم، في مدينة بريدة. في المرة الأولى تعرض فريق الخليج للهتافات، ويبدو أن مسؤولي الرياضة في القصيم، وفي المملكة، لم يتخذوا الإجراء المطلوب واللازم بحق المتجاوزين. ولذلك تجاوزت الهتافات إلى الاعتداء بالضرب على لاعبي الفريق الضيف. والسؤال إذا لم يتخذوا إجراء حازما وصارما الآن، فماذا ننتظر أو نتوقع بأن تكون النتيجة في المرة الثالثة؟ أكثر من الهتافات والضرب، أسيتم استخدام السلاح الأبيض ومن بعده الأسود، لا سمح الله؟ فالطائفي أحمق وجاهل؛ وبالضرورة سيئ الأخلاق، إذا أمن العقاب فسيجرم أكثر.
هنا وفوراً ودون أي تردد أو تأجيل؛ يجب التدخل السريع والجاد والوطني والحازم والصارم، من قبل المسؤولين لدينا وعلى رأسهم مسؤولو الرئاسة العامة لرعاية الشباب واتحادا كرة القدم وكرة اليد. ولو كان ذلك بمعاقبة الأندية التي يهتف جمهورها بالهتافات الطائفية أو العنصرية أو المناطقية؛ ناهيك عمن يستخدم الاعتداء بالضرب، بحرمانها من الميزانية في تلك السنة وإخراجها من الدوري فيها؛ وذلك عقابا لها ولجمهورها، وردعا لكل متجاوز لا تعني له لا الأخلاق الرياضية ولا كرم الضيافة شيئا. والحرص على معاقبة الأفراد الذين تثبت إدانتهم بالسجن، لاستهتارهم وعبثهم بأمن اللحمة الوطنية؛ في عالم يحيط بنا، يلتهب بحروب طائفية وسخة. ونريد أن نعلم من مسؤولي رعاية الشباب الإجراء الذي سيتخذونه ضد ناديي الرائد والنجمة وبعض جمهورهما العنصري، وبأقرب فرصة، لنطمئن على رياضتنا وأخلاقنا وأمن لحمتنا ووطنيتنا؛ وإلا فلا حاجة لنا بالرياضة، إذا لم تكن معطرة بالأخلاق ومفعمة بكرم الضيافة والحرص على أمن الوطن، وتماسك لحمته الوطنية.
في عام 1994م، كان لي الشرف بأن أحضر مباراة المنتخب السعودي والمنتخب الهولندي لكرة القدم في نهائيات كأس العالم، في إستاد كوتن بول في دالاس بتكساس. كانت بالنسبة لي التجربة الأولى لحضور مثل هذا التنافس الرياضي العالمي الجميل. وبرغم هزيمة المنتخب السعودي إلا أنني خرجت بدرسين أخلاقيين لن أنساهما أبداً. الدرس الأول وأنا أتحرك للدخول للإستاد الرياضي، كنت أمشي بجانب شاب وشابة أميركيين، سألاني بين من ومن المباراة؟ فأخبرتهما بأنها بين المنتخب السعودي والمنتخب الهولندي. هنا تعجبت منهما، كيف يشتريان تذاكر مباراة على كأس العالم؟ ويتجشمان عناء الحضور، وهما لا يعرفان الفريقين اللذين سيلعبان. وعندما دخلت الإستاد وجلست وبدأت المباراة، كان المنتخب السعودي يشن هجمات جميلة ورائعة على مرمى المنتخب الهولندي، وكان غالبية من في المدرجات يقفون بحماس ليشاهدوا الهجمات والتسديدات على مرمى منتخب الهولندي، وسط تصفيق حماسي منقطع النظير. نظرت للمدرجات وأنا مندهش، أكل هؤلاء من مشجعي المنتخب السعودي؟ ولم يتأخر كثيراً الجواب على اندهاشي، حيث تم تسديد هدف على مرمى المنتخب السعودي، فقفزت جميع المدرجات تصفق وبحماس لمن سدد الهدف ولمن صنعوه. هنا دهشت وأصبت بالإحباط، ماذا حدث لجمهورنا؟ بعد عدة هجمات من هنا ومن هناك عرفت أن المشجعين هنا يشجعون اللعبة الجميلة بغض النظر عن اللاعب. أي أتوا ليستمتعوا بمشاهدة اللعب الجميل بغض النظر عمن يلعبه. وهنا ذهب تعجبي من سؤال الشاب والشابة عمن سيلعب المباراة، أي هما أتيا ليستمتعا باللعب الجميل، ويقضيا وقتا ممتعا.
كان الإستاد الرياضي، ضخما جداً، يستوعب أكثر من 120 ألف متفرج أو أكثر؛ وكانت جميع المدرجات ممتلئة. خشيت من الزحام والتدافع عند الخروج، وقررت بأن أخرج قبل المباراة بعشر دقائق حتى لا أعلق بالزحام، خاصة كون المنتخب السعودي قد خسر المباراة، وليس هنالك أمل لأن يعدل النتيجة. طلب مني من معي التريث حتى تنتهي المباراة، فتريثت على مضض. عندما انتهت المباراة وخرجنا أصبت بالدهشة أكثر، لم نقف لدقائق في طابور الخروج. ورغم روائح البيرة التي تنبعث من أفواه الجمهور وضحكاتهم المجلجلة لم يحتك أي جزء من جسدي بجسد أحد آخر ولو عن طريق الخطأ.
رغم هزيمة منتخبي إلا أني خرجت من المباراة وأنا منتش بحلاوة ولذة الانتصار، الانتصار على تعصبي وفهمي المتخلف للرياضة وأصول الأخلاق والمتعة فيها. ليت جمهورنا الرياضي بالقصيم وفي جميع مناطق المملكة تسنح لهم الفرصة بأن يمروا بمثل هذه التجربة الحضارية الجميلة التي مررت بها، حتى يتعلموا وبحق ماذا تعني الرياضة؟ وماذا تعني متعة متابعتها؟ وفوق كل هذا ماذا تعني كلمة الأخلاق الرياضية؛ حيث فعلاً لا متعة في الحياة بدون الأخلاق. يبدو أن الطائفية والعنصرية التعصب وكره الآخر، وعدم مراعاتنا لأخلاق الأشياء قد أفقدتنا الكثير من متع الحياة.
سوف يقول قائل، والجمهور الإيراني، سبق وأن هتف بهتافات طائفية ضد أحد فرقنا الرياضية في أحد ملاعبهم. أقول وبئس الجمهور جمهورهم، فلنقاطعهم، بدون أي أسف أو تردد. ولكن هل من الممكن بأن نتيح مثل هذا الخيار لأنديتنا وفرقنا الرياضية؟ سؤال يحتاج جوابه إلى الكثير من الشجاعة والحرص والأخلاق والوطنية من قبل مسؤولي الرياضة ومسؤوليهم لدينا؛ وسننتظر منهم الجواب.