محمد محفوظ- الرياض السعودية-
نحن بحاجة لأن ننصت إلى الأصوات المعتدلة من الجانبين ونتجاهل كل الأصوات المتطرفة سواء من السنة أو الشيعة..
ثمة حقيقة سياسية وثقافية واجتماعية، تحكم استقرار البلدان الإسلامية.. وإن أي خلل في هذه الحقيقة ينعكس سلبا على استقرار أغلب البلدان الإسلامية.. وهذه الحقيقة هي العلاقات الحسنة بين السنة والشيعة في العالمين العربي والإسلامي.. وإن تراجع هذه العلاقة أو دخولها في صدام أو صراع، فإن هذا الصراع يتحول إلى تهديد مباشر للاستقرار السياسي والاجتماعي لأغلب البلدان العربية والإسلامية..
لذلك ثمة ضرورة مستديمة، لتطوير العلاقات الإسلامية - الإسلامية، ومعالجة بذور الأزمات التي تهدد العلاقة وتدخلها مرحلة التهديد المباشر لأمن واستقرار المجتمعات الإسلامية.. ولعلنا لا نبالغ حين القول إن سوء العلاقة بين الطرفين، لم يصل إلى مرحلة الصراع المفتوح على أكثر من مستوى بمثل لحظة الصراع الحالية التي تشهدها البلدان العربية والإسلامية اليوم..
وإن سكوت الجميع أو انخراط أغلب المؤسسات والفعاليات الإسلامية في تغذية كل عوامل الصدام والصراع ينذر بكوارث حقيقية ستشهدها هذه المنطقة من جراء الصراعات الطائفية والمذهبية ودخولها مرحلة بدون أي جهد أو مبادرة إيجابية لضبط أو معالجة أسباب الصدام..
ولعل الخطير في مرحلة الصدام الطائفي والمذهبي الحالية، هو غياب الطرف الذي يعتني بدور الإصلاح لهذه العلاقة وإخراجها من مرحلة التوتر إلى مرحلة التوافق على مبادئ وأسس لا يمكن لأي طرف أن يتجاوزها أو يعبث بها..
ونود في هذا السياق أن نوضح رؤيتنا حول هذه المسألة من خلال النقاط التالية:
السنة في العالم الإسلامي هم أكثرية المسلمين ولهم حضورهم الإسلامي الواسع، وهم كمجتمع حقيقة تاريخية وثقافية واقتصادية ثابتة، لا يمكن للمنطقة العربية والإسلامية أن تعيش الاستقرار السياسي والاجتماعي بدونها، وهذه الحقيقة تعاني مشكلات كبرى في حاضرها أو مستقبلها..
والشيعة في المقابل هم كذلك، صحيح أنهم أقلية في العالم الإسلامي، ولكنهم أقلية فاعلة، وهم أيضا حقيقة تاريخية واجتماعية وثقافية، لا يمكن تجاوزها أو التغافل عنها..
وأمام هذه الحقائق الثابتة في فضاء الإسلام والمسلمين، نتمكن من القول: إن أية نزعة متطرفة واستئصالية في التعامل مع هذه الحقائق، مؤداها مراكمة مشكلات وأزمات العالم الإسلامي دون القدرة على إنهاء وجود وتأثير هذه الحقائق ذات الأبعاد المتعددة في العالم الإسلامي والعالم قاطبة.. من هنا فإن العلاقة بين المسلمين السنة مع المسلمين الشيعة، بحاجة إلى رؤية عميقة معتدلة، لا تلغي حقوق الأطراف، وإنما تعمل على معالجة أسباب التوتر والصدام، والعمل بعد ذلك على تعميق كل أسباب التفاهم والتلاقي بين المسلمين..
ونحسب أن جوهر حلف الفضول التاريخي الذي شارك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو ما تحتاجه العلاقة الإسلامية - الإسلامية..
فنحن جميعا سنة وشيعة، ينبغي لكل مؤسساتنا وفعالياتنا الدينية والاجتماعية والسياسية أن ترفض التعدي على بعضنا سواء التعدي المعنوي الذي يتعلق بمقدسات ورموز المسلمين أو التعدي المادي الذي يطال حياة واقتصاد واجتماع المسلمين المعاصرين..
وفي ذات الوقت إن حدوث مشكلة أو أزمة في العلاقة، ينبغي ألا يدفع الجميع إلى الاصطفافات الطائفية والمذهبية، وإنما من الضروري أن يدفعهم إلى إطفاء نار الفتنة ومعالجة كل أسباب وجذور الأزمة..
فالمظلوم ينبغي أن يدافع عنه سواء أكان سنيا أم شيعيا.. هذا ما يقتضيه حلف الفضول في صيغته التاريخية، وهذا ما يحتاجه المسلمون جميعا اليوم..
من العوامل العميقة التي توتر العلاقات الإسلامية - الإسلامية، وتُدخلها دائما في مرحلة الصدام الكامن أو المفتوح، هو أننا جميعا ننصت للمتطرفين من الجانبين.. فالسني حينما يريد الاقتراب من معالجة توترات العلاقات الإسلامية - الإسلامية، لا يجد أمامه إلا الأصوات الشيعية المتطرفة والرافضة لضبط العلاقة أو بناء أسس ومرتكزات للتفاهم والتلاقي..
وفي المقابل فإن الشيعي حينما يود الانخراط في مشروع الإصلاح والمصالحة للعلاقات الإسلامية - الإسلامية، فإنه لا يسمع إلا الأصوات المتطرفة وهي التي تضغط نفسيا واجتماعيا لتوتير العلاقة بين المسلمين.
وفي هذا السياق نقول: إن أمام هذه الأصوات المتطرفة سواء من السنة أو الشيعة، يهمها تخريب العلاقة وإبقاؤها متوترة دائما.. وإن الإنصات إليهم سيجعل العلاقات الإسلامية - الإسلامية رهن إرادتهم ومقولاتهم المتطرفة.. ويقابل هؤلاء مئات الأصوات من المعتدلين والباحثين عن الإنصاف ومعالجة كل عناصر التوتر في العلاقات الإسلامية - الإسلامية..
نحن بحاجة لأن ننصت إلى الأصوات المعتدلة من الجانبين ونتجاهل كل الأصوات المتطرفة سواء من السنة أو الشيعة..
أما الخضوع لأجندات المتطرفين من كلا الجانبين، فإنه سيُدخل العلاقة في مرحلة اللا عودة، ويؤسس إلى حروب طائفية مستديمة..
على المستوى الفعلي اليوم، لا يمكننا جميعا من تقديم حلول عملية لكل عناصر وأطراف الصدام الطائفي والمذهبي على مستوى العالم الإسلامي.. لذلك فإننا اليوم ينبغي أن ننطلق جميعا على مستوى أوطاننا، من أجل معالجة كل عناصر التوتر للعلاقات الإسلامية - الإسلامية في السياق الوطني..
وهذا يتطلب منا التوافق على أن الجميع لا يتحملون مسؤولية التطرف والصدام خارج حدود الوطن، تزعجهم كل التوترات والإساءات من كل البلدان الإسلامية، ولكن الجميع لا يتحملون مسؤولية هذه الإساءات..
فالمطلوب تجنيب الوطن من أقصاه إلى أقصاه مسؤولية ما يجري في العالم الإسلامي من توترات وصدامات طائفية أو مذهبية..
يؤلمنا ما يجري في كل بؤر التوتر من إساءات، ولكن ليس أهل وطننا من هذا الطرف أو ذاك من يتحمل مسؤولية هذه الإساءات.. وبعد عملية تحييد الوطن وأهله من هذه التوترات نقترب من معالجة وتطوير العلاقات الإسلامية - الإسلامية..
بمعنى أن أفضل عمل نقوم به على هذا الصعيد، هو بناء نموذج واضح وساطع للعلاقات الإسلامية - الإسلامية الإيجابية والبعيدة عن كل نقاط التوتر والصدام..