حسين عبدالله- الاخبار اللبنانية-
في الثاني من شهر مارس/ آذار الجاري، غادر الشاب مكي علي العريض منزل عائلته في مدينة القطيف شرق السعودية للبحث عن عمل، إلا أنه لم يعد أبداً.
أوقف في نقطة تفتيش أمنية، وأخذ إلى مركز الشرطة، حيث مات في اليوم التالي «بسبب الخوف في التوقيف»، لكن عائلته تقول إن وفاته كانت بسبب التعذيب الذي تعرض له.
حادثة العريض تشبه -مع اختلاف بالتفاصيل- حالات عدة وقعت خلال العام الماضي منذ تولي الملك سلمان حكم السعودية، الذي يبدو أنه قرر تجاوز أسلافه من ملوك البلاد في حجم الانتهاكات لحقوق الإنسان، فهو اختار أن يصفي جسدياً كل من يعارض النظام وسياساته خلال عمليات القبض، خصوصاً إذا كان الضحية غير معروف على المستوى الشعبي.
كما لم يتردد في حالات أخرى، بتغطية جرائم «التصفية» بأحكام قضائية، كما حدث مع 47 شخص في الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، أبرزهم الشيخ نمر النمر، إضافة إلى آخرين اعتقلا وهما طفلان (13 و16 عاماً)، وثالث فقد عقله نتيجة التعذيب هو عبدالعزيز الطويلعي، وقضى السبع السنوات الأخيرة في السجن عارياً وبلغ به الحال بأكل فضلاته، وفقاً لملفات رفعتها منظمات حقوقية قبل نحو أربع سنوات لمقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
فيما يواجه خمسون آخرون على الأقل أحكاماً بالإعدام، غالبيتهم العظمى شاركوا في التظاهرات التي شهدتها البلاد خلال عامي 2011 و2012، وفقاً لما ذكره رجل الأعمال المهتم بقضايا حقوق الإنسان محمد النمر وهو شقيق للشيخ نمر النمر، وأب لعلي النمر الذي صدر ضده حكم نهائي بالإعدام، يتوقع تنفيذه في أي لحظة.
في عهد سلمان، تكفي تغريدة على موقع «تويتر» تعترض على الأوضاع في البلاد، أن تنتهي بالسجن لسنوات طويلة، كما حدث مع مغرد كان يستخدم معرّفاً باسم «طفشان» اعتاد على انتقاد فساد المسؤولين، ليعتقل ويصدر ضده حكم من محكمة الإرهاب سيئة السمعة بالسجن 15 عاماً، بحسب ما ذكرته وسائل الإعلام السعودية مطلع العام الجاري، ومثله مغردان آخران صدرت ضدهما خلال الأسبوعين الماضيين، أحكام بالسجن تتراوح ما بين تسع وعشر سنوات.
صدور حكم بالسجن في عهد سلمان، لا يعني أنك نجوت من التصفية الجسدية، فناشطون كبار في البلاد، ما زالت هناك محاولات لتصفيتهم بطريقة غير مباشرة في السجن، فالدكتور محمد القحطاني (محكوم بالسجن عشر أعوام) الرئيس السابق لجمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، أُصيب بالتهاب رئوي قبل نحو شهرين، وبدلاً من معالجته وضع في زنزانة انفرادية مع سجين مصاب بالسل، كما أعلن في بيان محاميه عبدالعزيز الحصان.
الأمر نفسه يتكرر مع المحامي والقاضي السابق سليمان الرشودي، 80 عاماً ومحكوم بالسجن 15 عاماً، والدكتور عبدالله الحامد، 69 عاماً ومحكوم بالسجن 11 سنة، والمحامي وليد أبو الخير، المحكوم بـ 15 عاماً، فجميعهم يعانون من أمراض مزمنة مثل داء السكري ومشكلات في التنفس، ومنع عنهم الدواء، بل تعمدت الحكومة سجنهم في زنازين يسمح بها بالتدخين، «مخصصة لمرتكبي جرائم الاغتصاب واللواط»، كما قال محاموهم.
على الجانب الآخر، يبدو «هوس» الملك الجديد بالدم لافتاً، فهو وفقاً لرصد وكالة الأنباء الفرنسية، أعدم 257 شخصاً منذ توليه الحكم منذ 13 شهراً (منهم 187 خلال 2015)، هو الرقم الأعلى في البلاد على الإطلاق منذ تأسيسها، وكثير من هؤلاء أدينوا في جرائم لا ترتبط بالعنف مثل معارضة سياسة النظام أو تجارة المخدرات، كما قالت تقارير دولية أحدها أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في فبراير/ شباط الماضي.
دموية سلمان لم تتوقف على بلده، بل شملت حتى اليمن الذي يشن عليه جيشه حرباً منذ عام ارتكب خلالها جرائم ضد الإنسانية، ونتج منها مقتل خمسة آلاف مدني على الأقل، واستُخدم خلالها أسلحة محرمة دولية، كما تقول منظمات دولية مثل الأمم المتحدة، فيما يواجه 16 مليون يمني خطر المجاعة، بسبب الحصار البري والجوي والبحري.
من الواضح جداً أن سلمان «مهووس» بشكل لافت بتاريخ رجال عائلته الذين أسسوا ما يعرف اليوم بالسعودية وتورطوا لتحقيق هذا بجرائم كبرى بحق شعوب الجزيرة العربية وثقتها كتب تاريخية، فهو بنى قصراً في بلدة الدرعية (عاصمة الدولة السعودية الأولى) على «الطراز النجدي» واختاره مقراً يستقبل فيه زعماء الدول، ونشر فيه عشرات من الصور لـ»أبطال العائلة الدمويين».
الأكيد، أن سلمان يؤمن بـ»السيف» للتعاطي مع معارضيه، فالمثقفون والأكادميون الذي ينادون بإصلاح سياسي، كان يتولى قمعهم -نيابة عن الأسرة الحاكمة- الملك سلمان، حينما كان أميراً للرياض (تولى هذا المنصب نحو 58 عاماً)، فهو كان يجلبهم إلى مكتبه ويهددهم بشكل مباشر، مستخدماً تعبيره الذي اشتهر به «نحن أخذناه (الحكم) بالسيف، وسنحميه بالسيف».
* المدير التنفيذي لمنظمة «أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين»
(من الاشخاص الذين سحبت جنسيتهم البحرينية بسبب نشاطه الحقوقي)