علي محمد الفيروز- الراي الكويتية-
أخذت قضية البدون أو غير محددي الجنسية، أبعاداً كثيرة واستغرقت وقتاً طويلاً في الطرح والنقاش للتعبير عن الآراء حولها، ونالت الكثير من المساجلات، سواء تحت قبة البرلمان او في ندوات جمعيات النفع العام، وفي مقدمها جمعية حقوق الانسان الكويتية، التي اصدرت اكثر من بيان بهذا الشأن، ثم تناولتها جمعيات حقوقية دولية...
ولكن بعد هذا كله، قلما نجد الحكومة وهي تستجيب لهذه النداءات، رغم ان قضية غير محددي الجنسية وملفها الشائك ذات ابعاد انسانية وحقوقية بحتة، الا اننا لا نجد من الردود إلا الوعود، وهي اسطوانة تعودنا على سماعها بين حين وآخر، وبالتالي نرى ان تراكمات هذه القضية وابعادها دائماً ترجع عكسية على اصحابها المتضررين الذين عانوا وما زالوا يعانون من ويلات فقدان الهوية الوطنية، وهي شهادة الميلاد وشهادة الجنسية وجواز السفر والهوية الشخصية واستمارة القيادة وغيرها من مستندات شخصية ذات اهمية تساعد على اثبات الوجود وتيسير الاعمال في اي جهة حكومية، سواء كانت تعليمية او تتعلق بسوق العمل في اي قطاع، وبسبب فقدان هذه الهوية الوطنية للأب أو لرب الأسرة، تضرر الكثير من الأبناء الذين عاشوا على هذه الارض الطيبة سنوات العمر ولم يتذوقوا مرارة العيش الا بعد تخرج الابناء من مدارسها التعليمية ليصبحوا عاطلين عن العمل يعانون من البطالة ومرارة الفراغ وإغلاق الأبواب!
فهناك من أبناء البدون من عانى من عدم قبوله في التعليم الحكومي والخاص منذ نعومة أظفاره، وهي بالطبع اجراءات حكومية تحتاج الى تغيير جذري، وبالتالي ما يصيب الاب البدون يدفع ثمنه الأبناء تحت مسمى «غير محدد الجنسية»، وهو المسمى الجديد الذي يحرج الكثيرين منهم لانهم ابناء جلدة هذا الوطن الذين ولدوا وترعرعوا على تراب هذا الوطن ولم يجدوا سواه.
فخير الكويت ونعمتها باقية في عروقهم ولا يريدون وطناً آخر، وقد اثبتوا دورهم الوطني أثناء فترة الغزو العراقي الغاشم حينما انضموا مسرعين إلى نصرة الوطن في الجيش الكويتي والشرطة والحرس، بل حتى في المقاومة الكويتية للدفاع عن الحقوق والواجبات لهذا الوطن الغالي بكل طاقاتهم وعزيمتهم الوفية، فهل هذا يعني ان ننسى دور الشهداء من البدون وان ننسف كل ما قاموا به من تضحيات لهذا الوطن؟
نعم، نحن لا ننكر ان هناك من لا يستحقها اصلاً كونه تعمد تشويه سمعة الكويت في الداخل والخارج او قام بأعمال تخريبية وسيئة خارجة عن القانون والانظمة المتبعة، لكن هذا لا يعني ان ننسى دور من يضحي من اجل الكويت ويستحق الجنسية الكويتية بكل شرف وتقدير، وبالاخص حينما يكون من بين هؤلاء البدون، أطباء وصيادلة ومهندسون ومعلمو اجيال وغيرهم من اصحاب المهن العالية والشهادات العليا ...
إذاً الحكومة مطالبة بحسم ملف البدون «غير محددي الجنسية» بأسرع وقت ممكن وانهاء ملف اسماء مستحقي الجنسية الكويتية في مجلس الوزراء قبل ان تزداد اعدادهم، حتى تكون صادقة مع هذه القضية الانسانية. ففي النهاية هم يعيشون بيننا وليس لديهم اي اثبات رسمي، وبالتالي نرى انه لابد من اتاحة الفرصة لهم ليكونوا جزءاً من هذا المجتمع بعد ان اتضحت الرؤية لهؤلاء المستحقين منهم من ابناء الشهداء وابناء اقارب الكويتيين وابناء العسكريين، ثم حملة احصاء 1965 الذين اثبتوا وجودهم في الكويت وانتظروا طويلاً من دون الحصول على اي قرار حكومي ينصفهم في الحياة...
اثناء جلسة مجلس الأمة، في الثاني من مارس الجاري، ناقش المجلس قضية البدون لإيجاد الحلول المناسبة لهم واستيضاح سياسة الحكومة في شأنهم، وكان ذلك وسط حضور نيابي متواضع جداً، قدم مجموعة توصيات الى الحكومة، نتمنى ان تأخذها على محمل الجد لكي يتم تنفيذها بتعاون وثيق ما بين الحكومة والمجلس من أجل إعطاء كل ذي حق حقه وإنهاء هذا الملف جذرياً.