إسلام الراجحي- الخليج الجديد-
لم يشفع دعم الأكاديمي السعودي البارز «محمد الحضيف»، لسياسات الملك «سلمان بن عبد العزيز»، ودفاعه عن توجهات المملكة داخليا وخارجيا، من التوقيف والاعتقال، بعد أن وجه سهام النقد إلى سياسات الإمارات وولي عهد أبو ظبي الشيخ «محمد بن زايد».
«الحضيف»، تم توقيفه قبل يومين في مطار الرياض عقب عودته من زيارة لتركيا. وأرجعت مصادر أمنية سبب توقيفه لانتقاده الحاد لسياسات دولة الإمارات.
«محمد الحضيف»، ليس كاتبا فحسب، بل خبيرا إعلاميا، ومديرا ناجحا، وقصاصا تستمتع بقراءة قصصه ورواياته، ومحاضرا في عدة مجالات مختلفة.
يبلع من العمر 54 عاما، كانت شاهدة على تميزه منذ نعومه أظفاره، فقد حصل على المركز الأول على مستوى المملكة في الثانوية العامة، ليلتحق بكلية الإعلام ويحصل على بكالوريوس الإعلام، تخصص صحافة، مع مرتبة الشرف، في جامعة الملك سعود.
واصل دراساته بالحصول على ماجستير في نظريات الإعلام، من جامعة كانساس، في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الدكــــتوراة في الصحافة والعلاقات العامة، من جامعة ويلز، في بريطانيا.
له خبرة كبيرة، أهلته ليكون محاضرا لمئات المحاضرات، ومشاركا في العديد من الندوات وورش العمل، في مجالات مهارات الاتصال الفعال، وصناعة الصورة الذهنية، ووسائل الإعلام والتأثير، ودور الإعلام في التنمية.
كما خدم «الحضيف» بلاده، بعلمه عدة مؤسسات، كوزارة الدفاع، ووزارة العمل، وجامعة الملك سعود، وغيرها من المؤسسات التي ألقى فيها المحاضرات وحضر بها الندوات.
عمل في صحف داخل المملكة وخارجها، وتقلد المناصب الإدارية بدء من محرر حتى عضوا بهيئة التحرير، كما أعد وقدم عددا من البرامج في قناتي «المجد»، و«دليل» الفضائيتين، وشارك في عدد من البرامج الحوارية في قنوات «الرسالة»، و«العربية»، و«السعودية الأولى»، و«السعودية الثانية».
كما أن «الحضيف»، كاتب مقال له مشاركات في العديد من الصحف المحلية والخليجية، وفي بعض مواقع الانترنت، فضلا عن كونه كاتب قصص قصيرة، صدرت له ثلاث مجموعات قصصية، ورواية، وقصة طويلة، كما صدرت له كتب في تخصصه الإعلامي.
كان له دورا إداريا في شركات سعودية، فقد عمل مديراً للتسويق والعلاقات العامة في شركة «KPMG»، ومديرا تنفيذيا لشركة «البراء للخدمات الإعلامية»، ومستشار في مكتب «القاسم» للمحاسبة والاستشارات والدراسات، كما أنه يشغل منصب مدير إدارة الجودة والتطوير في قناة «المجد» الفضائية منذ 2003 حتى الآن.
«الحضيف» بين عهدين
في 9 مارس/آذار 2014 اضطر المغرد السعودي «محمد الحضيف» إلى التوقف عن التغريد، مؤقتا، بسبب ضغوط أمنية، وفق ما ذكر النشطاء.
يومها كانت له مواقف رافضة سياسات الملك الراحل «عبدالله بن عبدالعزيز»، ولم يتردد في تزيين صورته على تويتر بشعار «رابعة» تضامنا مع ضحايا المجزرة الواسعة التي نفذتها قوات الجيش والأمن في مصر ضد رافضي الانقلاب العسكري المدعوم من حكومات الخليج وفي مقدمتها الحكومة السعودية.
اكتفى «الحضيف» وقتها بنعي ”ضيق الفضاء“ و”مصاردة الشمس“، في إشارة واضحة لضغوط أمنية تعرض لها.
مع صعود الملك «سلمان» للحكم في يناير 2015، استبشر «الحضيف» بالعهد الجديد، وتبنى مواقف داعمة لسياسات الملك «سلمان بن عبد العزيز»، والتي غالبا ما أعلن عنها في تصريحات صحفية أو إعلامية، أو عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الذي يتابعها أكثر من 615 ألفا.
عن عملية «عاصفة الحزم»، التي قادتها السعودية لإعادة الشرعية في اليمن، قال «الحضيف» إن «هزيمة الحوثي عن طريق عاصفة الحزم، أدت إلى انتصارين على إيرانيي الداخل وحاخامات قم».
«الحضيف» كان من الداعمين للتقارب السعودي التركي، حيث كتب على «تويتر»، عقب زيارة رئيس الوزراء التركي «أحمد داود أوغلو» للمملكة: «لا وزن ولا قيمة لكَتَبَة تويتر، ممن يشتمون تركيا، ويلمزون تحالف المملكة معها، المثير للضحك، أنهم يتكلمون بطريقة توحي أنهم أفهم من الدولة».
كما كانت له مواقفه الداعمة للملك «سلمان»، والداعية له بمد اليد نحو جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تعتبرها السلطات السعودية إرهابية، حين قال خلال مداخلة هاتفية من برنامج «حِراك» على قناة «فور شباب» إن «الملك سلمان رجل محافظ ومستنير، وأتوقع أن يمد يده لجماعة الإخوان المسلمين».
وأضاف «الحضيف» أن «السياسة السعودية سياسة تصالحية، وتقوم بدور الوسيط في النزاعات»، واستطرد: «المعطيات تشير لتوجه المملكة نحو سياسة أكثر توازنا وهدوء مع القيادات والأحزاب السياسية الإسلامية، وأنه لا بد من الاعتماد على تركيا كحليف يُعتمد عليه أمام المد الإيراني في المنطقة».
ضد ”استعراض“ و”خداع“ أبوظبي
المواقف الداعمة للمملكة، لم تمنع «الحضيف» من توجيه الانتقادات، تارة مبطنة وتارة صريحة، إلى حكام الإمارات، وسياستها، وخاصة الشيخ «محمد بن زايد» ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما دفعها لنعته بـ«الإخواني» على لسان مقربين من أبوظبي.
«الحضيف» انتقد إطلاق اسم «سد زايد» على «سد مأرب» التاريخي، كما انتقد اختطاف جهاز الدولة الإماراتي، لشقيقات المعتقل «عيسى السويدي» الثلاث، كما تسائل في تغريدة له: «هل يجوز للإمارات أن توفر الحماية، وتصبح ملاذا لبعض الآبقين من (سعوديي الإمارات).. ليشتموا علماءها ورموزها بلغة شوارع بذيئة؟».
وشهدت الشهور الأخيرة، تصاعد نقد «الحضيف» لمواقف الإمارات، حتى شبه، انسحابها من تعز اليمنية، بموقف المنافقين في غزوة أحد، كما اتهمها بشراء الذمم في حرب ضد الإسلام، وذلك على خلفية تعيين «برناردينو ليون» البعوث الأممي السابق في ليبيا بمنصب أكاديمي، فضلا عن اتهامه للإمارات بأنها وراء الاحتراب الأهلي في ليبيا.
وانتقد أيضا تجهيز الإمارات لأكبر شجرة عيد ميلاد «كريسماس»، واعتبر تعيين الإمارات وزيرا للسعادة بأنه «استعراض وخداع»، مشيرا في موضع آخر، إلى أن الإمارات تظن أنها تحاصر السعودية بافتتاح فرع للأزهر وقنصلية إسرائيلية.
كما كتب «الحضيف» على حسابه بـ«تويتر»، في 13 مارس/آذار الجاري، قائلا: «عجزت كل حملات العلاقات العامة، أن تجعل من ظالم، إنسانا سويا، يشترك مع البشر بصفات الآدمية، حتى لو ابتسم في وجه شيخ، أو حمل طفلا.. أو فتح زجاجة ماء.!!».
وأضاف «الحضيف»: «تعرية ظلم.. أزكى ممن تلبّس بلبوس تقوى!.. حين تنزع عن ظالم عباءة زيف.. وتهزّها، تنكشف سوءته، وتتساقط من العباءة أشلاء ضحايا، فيشكرك الله والعباد».
وفي حين لم يحدد «الحضيف» هذه الشخصية قال بعض المغردين إنه يقصد ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، الذي كان قد قطع حديثه مع العاهل الأردني الملك «عبدالله الثاني»، ليقوم بفتح زجاجة مياه للعاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» الذي هم بأخذ قارورة المياه من الطاولة أمامه، أثناء العرض العسكري في ختام مناورات «رعد الشمال»، الذي أقيم مؤخرا في حفر الباطن بالسعودية.
«العهد الجديد»؟!
تصريحات «الحضيف» المنتقدة للإمارات، دفعت قائد شرطة دبي «ضاحي خلفان» للتقدم في يوليو/تموز الماضي، بشكوى أمام المحاكمة الإماراتية ضد الإعلامي السعودي، اتهمه فيها بإثارة الفتنة والكراهية والتحريض على الإمارات، عبر تغريداته على «تويتر».
واتهم «خلفان» في تصريحات صحفية «الحضيف» بتعمد الإساءة للإمارات بتغريدات مثيرة للفتنة، يسعى من خلالها إلى تشويه سمعة الدولة بكلمات عدائية ومصطلحات تبث الكراهية.
كما قال إن السعودية سوف تعتقل «الحضيف»، على خلفية هذه التصريحات، إلا أن «الحضيف» سخر بعد علمه بتقديم «خلفان» للشكوى ضده بتغريدة، قال فيها: «أحد الأصدقاء يسأل عن تغيير صورة البروفايل.. قلت: هذي جديدة وأوضح، علشان إذا ضاحي خلفان بيقبض علي يعرفني زين، لا يغلط بولد عمي».
وجاء القبض على «الحضيف»، بعد 9 شهور، من شكوى «خلفان».
وكانت آخر تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تناولت سفر وزير العدل المصري المقال «أحمد الزند» لدولة الإمارات حيث غرد قائلا: «إلى أكبر مكب نفايات بشرية في العالم».
وتعجب مغردون من خطوة اعتقال «الحضيف»، واعتبرها حساب «نحو الحرية» ”غباء“؛ حيث أن «الحضيف» كان من أشد المتحمسين لـ«العهد الجديد» في المملكة، ونقل عنه الأكاديمي الموريتاني الدكتور محمد مختار الشنقيطي طلبه منه بإعطاء العهد الجديد في السعودية فرصة للتصحيح، وعدم محاسبته بخطايا العهد السابق.
يرى مراقبون أن اعتقال «الحضيف» يمثل رسالة واضحة، مفادها أنه لا يكفي أن تدعم سياسات حكومتك، ولكن مطلوب أيضا أن تصمت عن خطايا حلفائها؛ لأن الدول في سبيل الحفاظ على حليف خارجي لن تترد في العصف بأبنائها المخلصين.