مجتمع » حريات وحقوق الانسان

البحرين.. الثورةُ في عامها السادس...ومستمرّة

في 2016/04/19

عبّاس البحرانيّ- خاص راصد الخليج-

كان زلزال «الربيع العربيّ» مفاجأة كبيرة للمراقبين على الساحتين العربيّة والعالميّة، بيد أنّ المفاجأة الكبرى وغير المحسوبة كانت اندلاع شرارة ثورة شعبيّة عارمة في البحرين، ختمت عامها الخامس مع حلول الرابع عشر من فبراير/ شباط 2016، وولجت في عامها السادس على التوالي، مع استمرار الحراك المطلبيّ المتمسّك بشعاراتها الثوريّة وأهدافها التي يناضل أبناء الشعب البحرانيّ لتحقيقها.

لا تشكّل البحرين كدولة مستقلّة منذ العام «1971» حضورًا وازنًا في العلاقات الدوليّة والأحداث البارزة التي تعجّ بها منطقة الخليج؛ ولكنّ ما شهدته في مطلع العام «2011» من انتفاضة شعبيّة عارمة، شاركت فيها مختلف الأطياف والفئات المجتمعيّة، ولا سيّما القطاعات التعليميّة والطبيّة والمهنيّة، والنخب المثقّفة والإعلاميّة وغيرهم، كرّس اسم البحرين على الخارطة الإعلاميّة – السياسيّة التي عرفتها المنطقة منذ خمسة أعوام.

لم تتمكّن الماكنة الإعلاميّة الرسميّة لنظام آل خليفة الحاكم في البحرين – مع دعم إعلاميّ سعوديّ خليجيّ سخيّ – من سحب حديث الثورة البحرانيّة من التداول الإعلاميّ الإقليميّ والدوليّ، بل إنّ الحضور الإعلاميّ لثورة البحرين ازداد وارتفع منسوب مناقشة أوضاعها وتداعياتها في مختلف وسائل الإعلام العربيّة والغربيّة والمحافل الحقوقيّة والمنتديات السياسيّة، ولا سيّما مع تصاعد القمع والعنف والتعذيب والقتل من قبل السلطات الخليفيّة بحقّ الثوّار، بالتزامن مع تدخّل مباشر لدرع الجزيرة بقيادة سعوديّة بهدف سحق الثورة عن بكرة أبيها وإخمادها نهائيًا!!

اعتقد الساسة السعوديّون بأنّ الثورة الشعبيّة في البحرين سيخمدها المال والإعلام والقوّة، التي ستمنع وصول ألسنتها المشتعلة إلى أراضيها وإلى أراضي بقيّة الدول الخليجيّة، ولكن رغم ذلك كلّه، ولمدّة خمسة أعوام متواصلة لم تجدِ ترويكا «المال – الإعلام- والقوّة» في القضاء على الثورة البحرانيّة، أو حرف بوصلة أهدافها، بل أدّت إلى نتائج عكسيّة تمثّلت في ترسيخ القناعة الواقعيّة في عقليّة الشارع البحرانيّ الثائر ضدّ الظلم والتهميش والاضطهاد والتمييز، بألّا خلاص له من مستنقع الاستبداد والديكتاتوريّة إلا بالاستمرار في الثورة السلميّة والمقاومة المدنيّة المشروعة، مهما عظمت التضحيات، ومهما ارتفعت فاتورة الأثمان، ومهما طال عمر النضال والصمود والثبات.

لم تشهد البحرين في تاريخها السياسيّ الحديث ثورة شعبيّة مشابهة لما شهدته في الأعوام الخمسة، سواء على صعيد نوعيّة الفئات الاجتماعيّة والسياسيّة المشاركة فيها، أو على صعيد الكمّ البشريّ الثوريّ الذي انخرط في الثورة، أو على صعيد حجم ردّة فعل النظام الخليفيّ الحاكم من ناحية القمع والفتك والقتل والتعذيب.

بالمحصّلة، استطاع شعب البحرين، بمختلف فئاته المشاركة في الثورة، استيعاب ردّة فعل النظام وأجهزته الأمنيّة والعسكريّة، ونجح في عدم الخضوع لسياسة الترهيب والقمع الشرس لحراكه السلميّ، وذلك بالرغم من اكتظاظ السجون بالآلاف من المعتقلين السياسيّين وأصحاب الرأي، بينهم نساء وأطفال، وقتل العشرات سواء تحت التعذيب أو في الطرقات، وفصل المئات من وظائفهم وقطع أرزاقهم على خلفيّة التعبير عن آرائهم السياسيّة، وإسقاط الجنسيّة البحرانيّة عن العديد من المواطنين، والإبعاد القسريّ للعديد من العوائل البحرانيّة إلى خارج البلاد ونفيها، وفرض الحصار الأمنيّ على البلدات والمناطق التي تشهد حراكًا يوميًّا وترفع فيها شعارات الثورة وأهدافها، وملاحقة النشطاء السياسيّين والعاملين في الحقل الإعلاميّ والحقوقيّ والتضييق عليهم، بالترهيب تارة والاعتقال تارة أخرى والنفي خارج البلاد تارة ثالثة.

واقعًا، إنّ ثبات شعب البحرين بمختلف شرائحه أمام وحشيّة آلة القمع والتنكيل والخطف، ولمدّة خمسة أعوام هو صمود أسطوريّ قلّ نظيره، فقليلًا ما تتمكّن الشعوب من امتلاك النفس الطويل في نضالها السياسيّ الثوريّ، وتجاوز المفاصل الصعبة والمراحل المريرة خلال حراكها المستمرّ.

يسجّل لشعب البحرين أنّه قدّم أنموذجًا جديدًا لشعوب منطقة الخليج ولسائر الشعوب الحرّة في النهج الشعبيّ المناضل والصابر والصامد، رغم تكالب الدول عليه وتآمرها على إخماد ثورته المشروعة والمطلبيّة. فلا مؤشرات أو دلائل توحي بأنّه، وبعد خمسة أعوام من قيام ثورته، في وارد التراجع أو الاستسلام أو العودة للمنازل كما يرغب السعوديّ في ذلك ويتمنّى!!

 فشعب البحرين حينما خرج للميادين والساحات في العام «2011»، خرج لا ليعود من دون نتيجة أو تحقيق أيّ مطلب مشروع، فهو مصرّ على الاستمرار في خيار الثورة، وهذا واضح ومحسوم ولا رجعة فيه، وهناك التفاف شعبيّ حول هذا الخيار رسّخته دماء الشهداء والتضحيات العظيمة، فنصف ثورة فيه هلاك أمّة، لذا لا بدّ من الاستمرار، وهذا هو لسان حال كلّ بحرانيّ اختبر مختلف الصعاب والمحن، وكلّما تسنح له فرصة لتجديد الحراك والاستنهاض، ترى الروح الثوريّة تخرج من تحت الرماد لتؤكّد أنّ.. «الثورة مستمرّة».