مجتمع » حريات وحقوق الانسان

عندما لا يقول الملك الحقيقة

في 2016/05/17

 عبّاس البحرانيّ- خاص راصد الخليج-

تطرّق أستاذ العلوم السياسيّة « جون جي ميرشايمر »  في كتابه «لماذا يكذب القادة؟»، إلى مفهوم «الكذب» على أنّه أداة تمارس في الحكم والعلاقات الدوليّة والسياسيّة.
 فقد رصد المؤلف تعريف المعاجم اللغويّة لـ «الكذب»، فرأى أنّها لا تخلو جميعها من معنى أن يقوم الإنسان بإعطاء أو إظهار دلالات أو معلومات خاطئة، أو إخفاء دلالات أو معلومات صحيحة، عمّن يطلبها من أجل الحماية والتكيّف الأفضل مع الظروف المستجدّة، بالتالي فالكذب تزوير للحقيقة كي يخدع بها الكاذب الآخرين، من أجل تحقيق أهداف ودوافع ذاتيّة معيّنة .
 
ويرى «ميرشايمر» أنّ كذب القادة يتخّذ الكثير من الأشكال، وهو موجود لدى كلّ الأمم، وقد سار العرف على أنّ الكذب في السياسة كثيرًا ما يكون مباحًا، لهذا أدمنه الساسة. ورغم استنتاج «ميرشايمر» أنّ الكذب بين الدول حالة نادرة، فإنّه أقرّ بأنّه أكثر شيوعًا داخل البلدان، حيث تستسهل الحكومات الكذب على شعبها.
 
طبقًا للدراسة القيّمة التي يقدّمها «ميرشايمر» في كتابه « لماذا يكذب القادة؟»، والتي يستعرض فيها العديد من نماذج الكذب التي يمارسها القادة والملوك وروؤساء الدول على شعوبهم، فقد شكّلت كلمة الملك البحريني «حمد بن عيسى آل خليفة»، بمناسبة اليوم العالميّ لحريّة الصحافة أنموذجًا ومصداقًا صريحًا لما يمارسه الملوك والحكّام من أشكال مختلفة مما تحدث عنه «ميرشايمر»، حيث جاء في كلمة الملك أنّ البحرين «تفخر بأنّها لم تشهد سجن أيّ صحفيّ أو إغلاق أيّ مؤسّسة صحفيّة بسبب ممارسة الحقّ الدستوريّ في التعبير عن الرأي!!».
 
هنا، لا يريد الملك أن يخفي معلومات صحيحة تناقض تصريحه فحسب، بل أراد أن يقطع الشكّ باليقين، ويدّعي خلوّ سجونه ومعتقلاته من أيّ سجين رأي، فضلًا عن نفي وجود معتقل يمتهن الصحافة والإعلام. هذا في حين تؤكّد جميع التقارير الحقوقيّة والمنظّمات المعنيّة بالشأن الصحفيّ وجود المئات من الصحفيّين، والمدوّنين، والمصوّرين، والإعلاميّين، والمغرّدين الذين يرزحون في الطوامير والسجون على خلفيّة التعبير عن آرائهم، أو نتيجة لمواقفهم السياسيّة الناقدة للسلطة الحاكمة في البحرين، واستبدادها وقمعها الحريّات العامّة وفي طليعتها حريّة الرأي والتعبير، وخنق الصحافة بقوانين صارمة ، بحيث لا يُسمح بالتغريد الإعلاميّ خارج السرب المرسوم من قبل أجهزة النظام ، وهذا ما يشكّل خرقًا واضحًا للاتفاقيّات الدوليّة بشأن الحريّات العامة التي صادقت عليها السلطات البحرينية.
 
الكلمة الحرّة والنقد السياسيّ القائم على الوقائع والحقائق، هما أكثر ما يرعب الأنظمة المستبدة والديكتاتوريّة والفاقدة للشرعيّة الشعبيّة في كل انحاء العالم، فــالملك «حمد آل خليفة» يدرك جيدًا بأنّ «الإعلام هو رأس سهم سقوط الأنظمة الظالمة»... لهذا حينما اندلعت الثورة الشعبيّة السلميّة في البحرين في مطلع العام الـ (2011)، كان من أبرز الفئات التي طالها التنكيل والقمع والسجن والقتل تحت التعذيب والنفي خارج البلاد الجسم الصحفيّ والإعلاميّ .
 
ففي تقرير حديث لـ«منظمة مراسلون بلا حدود» صنّفت البحرين ضمن أسوأ البلدان العربيّة لحريّة الصحافة للعام (2015)، كما وثّقت «رابطة الصحافة البحرينيّة» في تقريرها السنويّ ما مجموعه (288) انتهاكاً خلال العام (2015) مقابل (255) في العام (2011). أمّا منظّمة «فريدوم هاوس» فقد صنفت البحرين ضمن الدول «غير الحرّة» في مؤشر حريّة الصحافة للعام (2015)، حيث وضعتها في المرتبة (186) عالميًّا، ما جعل البحرين في الترتيب الأخير خليجيًّا وفي الترتيب (16) عربيًّا، كما أنّها حصلت على (87) نقطة من (100)  نقطة، بمؤشر حريّة الصحافة الذي تعتمده «فريدوم هاوس»، وبحسب هذا المؤشّر فإنّ (ارتفاع النقاط = حريّة أقلّ).

فحينما يدّعي الملك بأنّ البحرين قد شهدت تشريعات وسنّ قوانين تحمي حريّة الرأي وتحترم الصحافة والكلمة الحرّة، فإنّه تغافل عن مرور (12) عامًا منذ أن قُدّمت للمرة الأولى مسودة مشروع قانون للصحافة في العام (2004)، وحتى كتابة هذه السطور فإنّ قانون الصحافة الجديد لم يرَ النور! وحينما يطالب في كلمته بـ« وقف بثّ القنوات المسيئة أو المثيرة للفتنة والعداوة..»،  فإنّه بالمقابل يسمح لقناة البحرين الرسميّة والوحيدة ببثّ مواد مسيئة لأبناء الشعب، ومثيرة للفتنة المذهبيّة والكراهية وشقّ الصف الوطنيّ، وهذا ما وثّقه تقرير «بسيوني» الذي عيّنه الملك بنفسه رئيسًا للجنة البحرينيّة المستقلّة لتقصّي الحقائق، وذلك على خلفية اندلاع أحداث الثورة في العام (2011)، كما رصدت جمعيّة الوفاق (أبرز الجمعيّات السياسيّة البحرينيّة المعارضة) أكثر من (3000) مادة إعلاميّة تحرّض على الكراهية خلال العام (2015) فقط.

وأيضًا حينما يدعو «الملك» إلى رفع شعار «الوصول إلى المعلومات والحريّات الأساسيّة: هذا من حقّك»، ويؤكّد فتح «جميع الأبواب أمام الصحافيّين والإعلاميّين.. »، فإنه يتجاهل ما قامت به الأجهزة القمعيّة من اعتقال أربعة صحفيّين أميركيين ومن بينهم امرأة، على خلفيّة تغطيتهم الذكرى الخامسة لاندلاع الثورة في البحرين، ووجّهت لهم تهمة الاشتراك بتجمهر غير مشروع بقصد ارتكاب جرائم والإخلال بالأمن العام!!.

ولعلّه لم يطرق أسماع «جلالة الملك» ترشيح المصوّر المعتقل في سجون النظام «أحمد حميدان» لنيل جائزة رصدتها حكومته لتشجيع الصحافة الوطنيّة حسب زعمها. فالمعتقل «حميدان» يقضي حكمًا بالسجن عشرة أعوام منذ العام (2014)، وذلك على خلفيّة تغطيته أحداث الثورة في البحرين، كما سبق في العام (2011) قتل المدّون زكريا العشيريّ تحت التعذيب الوحشيّ، وكذلك كان مصير الناشر عبد الكريم فخراويّ، وجرت ملاحقة المصوريّن ومراسلي الوكالات الدوليّة، ومن وقتها غصّت السجون البحرينية بالآلالف من المعتقلين بينهم الصحفيّين والمدوّنين والإعلاميّين، لتتحوّل البحرين إلى سجن كبير يكمّم فيه الأفواه وتقمع الكلمة الحرّة... قيل : ان حبل الكذب قصير. لا فرق في ذلك بين حبال الملوك وحبال غيرهم.