ما مستقبل دعاة الإصلاح والتغيير في المملكة العربية السعودية سؤال يتجدد مع كل حكم قضائي ضد ناشط أو مفكر، طالب بإصلاحات سياسية ودستورية مشروعة، وبرغم ارتفاع سقف التوقعات مع قدوم عهد جديد للملك سلمان، بفتح ملف سجناء الرأي والمصالحة مع الإصلاحيين، إلا أن هذا الملف لم يراوح مكانه بحسب منظمات حقوقية، رصدت تضييق يحاصر الحريات المدنية، وحرية الكلمة والرأي والتعبير المقرونة بحبس وسجن واعتقالات تعسفية.
ملف يهم 3000 بحسب التقدير الرسمي، بينما يبلغ يتجاوز عدد المعتقلين السياسيين 30000 معتقل، بحسب ناشطين.فإلى أين يتجه ملف الإصلاحيين والناشطين وتكوين الأحزاب والجمعيات وأي مصير ينتظرهم؟
"جمعية حسم في دائرة القمع"
في أحدث انتهاك لحقوق سجناء الرأي بحسب ناشطين، قضت محكمة سعودية بسجن الناشط الحقوقي، عبدالعزيز الشبيلي، لمدة ثماني سنوات.يعد الشبيلي عضو مؤسس لجمعية الحقوق المدنية والسياسية "حسم". وينفذ كل الأعضاء المؤسسين الآخرين أحكاما بالسجن في السجون السعودية.
تعد جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية "حسم" جمعية حقوق إنسان غير حكومية سعودية أسسها أحد عشر ناشطا حقوقيا وأكاديميا عام 2009. تهدف إلى التوعية بحقوق الإنسان مركزة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.
في 9 مارس 2013 أصدرت المحكمة الجزائية بالرياض حكما في محاكمة حسم وشمِل حل الجمعية ومصادرة أملاكها فورا.
المؤسسون خلف القضبان
أسس الجميعة كلا من عبد الرحمن حامد الحامد ومحمد فهد القحطاني وعبدالكريم يوسف الخضر وعبد الله الحامد وفهد عبد العزيز العريني ومحمد حمد المحيسن ومحمد البجادي وعيسى حامد الحامد ومهنا محمد خليف الفالح وسعود أحمد الدغيثر وفوزان محسن الحربي وأعضاء غير موقعين بسبب اعتقالهم وقت تأسيس الجمعية هم سليمان الرشودي وموسى القرني ومنصور العودة
ومن بين التهم الموجهة للشبيلي "الاتصال بمنظمات أجنبية، وتقديم معلومات لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) لاستغلالها في اثنين من التقارير، والتحريض على مخالفة النظام العام وتوجيه اتهامات إلى قوات الأمن بممارسة القمع والتعذيب".
قبضة حديدية
علقت منظمة العفو الدولية "أمنستي" بالقول إن الحكم يأتي وفقا "لقانون قمعي لمحاربة الإرهاب" في المملكة.ويقول جيمس لينش، نائب رئيس أمنستي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن السعودية "بعد إغلاق جمعية الحقوق المدنية والسياسية، بدأت في محاكمة الأعضاء المؤسسين واحدا تلو الآخر، في محاولة لإسكات الانتقادات لملف حقوق الإنسان في المملكة".
وتابع لينش: "أثبتت السعودية عزمها على إخفاء الحقيقة حول تردي الأوضاع الإنسانية في البلاد. يجب أن تتراجع السلطات عن سجنه (الشبيلي)، وألا تعتقله". كما ناشد لينش حلفاء المملكة أن "يضغطوا على السلطات لتخفف من قبضتها الحديدية على المجتمع المدني".
استنكر "لينش" الحكم بالتأكيد "إنه أمر عبثي ومشين في آن أن يوصف التواصل مع منظمة دولية لحقوق الإنسان على أنه عمل إجرامي وإرهابي"، معتبرا أن "صمت" الأسرة الدولية حيال وضع حقوق الإنسان في السعودية هو أمر "معيب".
حياة مدنية في سجن كبير
بالسعودية ليس فقط تضييق ضد الجمعيات بل والأحزاب أيضا بحسب "الائتلاف العالمي للحريات والحقوق"، في 7 مايو 2016 قضت المحكمة الجزائية المتخصصة بالمملكة العربية السعودية بسجن مواطن سعودي لمدة 7 سنوات ونصف، بعد إدانته بتأسيس حزب سياسي باسم "حزب الأمة الإسلامي"، مع وقف تنفيذ سنتين منها، بسبب ندمه وحالته الصحية الحرجة.
لا حياة حزبية
تأسس حزب الأمة الإسلامي في عام 2010، وكان مؤسسه يأمل أن يكون الحزب السياسي الأول في السعودية، وشارك في تأسيسه عدد من الناشطين والمثقفين السعوديين، وجاء في بيان تأسيسه أنه سيشارك في الدفع بعملية الإصلاح السياسي الذي تتطلع إليه عامة الشعب في السعودية، مؤكدا أن الإصلاح السياسي يبدأ بالتخفيف من حالة الاحتقان وتحقيق المصالحة بين الحكومة والتيارات السياسية في الداخل والخارج، وإعلان العفو العام، وإطلاق كافة سجناء الرأي ودعاة الإصلاح والمعارضين السياسيين، لكن ما لبث أن تم حجب الموقع الخاص بالحزب وتحويل أعضائه للمحاكمة.
ويحظر بحسب القانون السعودي تأسيس الأحزاب السياسية، كما يدان كل من ينتمي لأحزاب سياسية خارجية، ويحظر أيضا إنشاء أية جمعيات دون الحصول على تصريح رسمي.وسبق أن دانت المحكمة الجزائية المتخصصة عدة مواطنين بتهمة إنشاء جمعيات غير مرخصة تدعو للخروج على ولي الأمر، لمدد تراوح بين 10 و15 عاما، كما حكمت على آخرين بالسجن 20 عاما بالتهم ذاتها.
اعتقالات تعسفية
رصدت عدة منظمات حقوقية دولية أوضاع الحقوق والحريات العامة في السعودية من أهمها منظمة "هيومن رايتس ووتش" والتي أصدرت تقرير بعنوان "التقرير العالمي 2016: المملكة العربية السعودية" أشار التقرير إلى أنه "في 29 أبريل عيّن الملك سلمان ابن أخيه محمد بن نايف وزيرا للداخلية ووليا للعهد، ونجله محمد بن سلمان وزيرا للدفاع وولي ولي العهد. هذه التغييرات في القيادة لم تؤد إلى تغيرات تُذكر في حقوق الإنسان.وعلى مدار 2015 استمرت السلطات السعودية في الاعتقالات التعسفية والمحاكمات والإدانات للمعارضين السلميين.استمر قضاء عشرات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء لفترات طويلة في السجن جراء انتقاد السلطات والمطالبة بإصلاحات سياسية وحقوقية."
كذلك تستمر السعودية في قمع النشطاء المطالبين بالإصلاح والمعارضين السلميين. في 2015 أدين أكثر من 12 ناشطا بارزا باتهامات سببها أنشطتهم السلمية، ويقضون عقوبات بالسجن.
سجن الناشطين والإصلاحيين
رصد تقرير "هيومن رايتس ووتش" أنه ما زال الناشط البارز وليد أبو الخير وراء القضبان إثر الحكم عليه بالسجن 15 عاما، إبان إدانته أمام محكمة الإرهاب في 2014 باتهامات سببها حصرا انتقاداته السلمية في مقابلات إعلامية وعلى وسائط التواصل الاجتماعي لانتهاكات حقوق الإنسان. فرضت السلطات حظر سفر على سمر بدوي، زوجة أبو الخير، في ديسمبر/كانون الأول 2014. قبل ذلك كانت قد سافرت إلى جنيف لإخطار مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بقضية زوجها.
يعد "أبو الخير" نموذج صارخ على ملاحقة الناشطين "وليد أبوالخير" هو محامٍ وناشط حقوقي ورئيس مرصد حقوق الإنسان في السعودية.اعتبرته مجلة فوربس واحدا من أكثر 100 شخصية عربية حضورا على تويتر.يعد أول ناشط يحاكم ب"نظام جرائم الإرهاب وتمويله" اعتقل في 15 أبريل 2014 وأودع سجن الحائر أثناء محاكمته.
قمع مقترحات سلمية
وبحسب "هيومن رايتس ووتش" جلدت السلطات السعودية علنا المدوّن رائف بدوي 50 جلدة في 9 يناير/كانون الثاني 2015 ضمن العقوبة الصادرة بحقه في 2014 جراء إنشاء موقع ليبرالي، والزعم بإهانته للسلطات الدينية. في 7 يونيو/حزيران أيدت المحكمة العليا السعودية الحُكم الصادر على بدوي بالسجن 10 سنوات و1000 جلدة.
بحلول سبتمبر/أيلول كانت السعودية قد سجنت مؤسسي "جمعية الحقوق المدنية والسياسية" المحظورة، وبدأت محاكمة 2 آخرين، هما عبد العزيز الشبيلي وعيسى الحامد، بسبب أنشطتهما السلمية المطالبة بالإصلاح.
كذلك أوقفت السلطات السعودية الكاتب والمُعلق البارز زهير كتبي في 15 يوليو/تموز بعد مناقشته لمقترحات سلمية بالإصلاح على مقابلة متلفزة، وأحالته بعد ذلك إلى محكمة جنائية متخصصة للمحاكمة، كذلك داومت السلطات على رفضها تسجيل الجمعيات السياسية والحقوقية، مع تعريض أعضائها للملاحقة القضائية بتهمة "إنشاء جمعية غير مرخصة".بحسب "هيومن رايتس ووتش".
ملكية دستورية وفصل السلطات إلى أين؟
مستقبل الإصلاح السياسي والدستوري في السعودية، رصدته دراسة بعنوان "الداخل السعودي وفرص الإصلاح السياسي" أعدها مركز "صناعة الفكر للدراسات والأبحاث" أنه حول أعداد المعتقلين السياسيين على اختلاف قضاياهم، يظهر تفاوت بين أرقام الحكومة السعودية التي تؤكد أن العدد لا يتجاوز 3000 معتقل، وبين الأعداد التي تعرضها المنظمات الدولية وعدد من المطالبين بالإصلاح التي تؤكد أن أعداد المعتقلين السياسيين تتجاوز 30000 معتقل."
وتشير الدراسة إلى أن " نداء الإصلاح السياسي في المملكة عبر دعاته وبياناته والظروف التي مر بها، دائماً ما يؤكد ضرورة تطوير نظام الدولة والانتقال إلى دولة القانون من خلال صياغة دستور للبلاد وفصل السلطات، ولذلك بدأت تتعالى الأصوات منذ عام 2004م، حيث انطلقت فكرة الملكية الدستورية، مطالبة بإعادة صياغة العقد أو العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب؛ من حكم الملكية المطلقة إلى ملكية دستورية جديدة.
وتقول الدراسة أنه :"ومع أن المملكة وضعت نظام أساسياً للحكم فيها، فإن المطالبين بالملكية الدستورية ودولة القانون لا يرون فيه دستوراً لقيادة دولة حديثة بسلطات ثلاث ومؤسسات ووزارات ومواطنين يضمن ما لهم وما عليهم من حقوق سياسية ومدنية، ويلاحق الفساد، فالدستور وثيقة قانونية تحدد طبيعة الدولة، والحكم فيها، وعلاقتها بالمجتمع، وهي قابلة للتغير تبعاً لتغير الظروف.
تشريع وإقرار
وتلفت الدراسة إلى أنه وفق ما أقره النظام الأساسي للحكم في المملكة، يبقى حق التعبير عن الرأي والاختيار وتحقيق مزيد من الحقوق التي تضمن سبل العيش الكريم للمواطن، محل اهتمام كل من الدولة والمطالبين بالإصلاح، ففي أكثر من مناسبة يؤكد المسؤولون في السعودية أن أبواب المؤسسات السياسية في السعودية مفتوحة، في حين يرى دعاة الإصلاح أن الوقت حان لمزيد من الإصلاحات في ملف الحريات والحقوق، وأن التعبير السلمي وغيره من الوسائل أمر لازم، وتحتاج إلى تشريع وإقرار، وفي الوقت الذي يؤكد فيه المطالبون بالإصلاح السياسي في المملكة أن هناك ممارسات تنافي ما ورد في النظام الأساسي للحكم، إلى جانب التضييق في الحريات، فقد جعل مؤشر حرية الإنسان، الذي أصدرته ثلاثة معاهد أجنبية منتصف أغسطس عام 2015م، السعودية في المرتبة 141 ؛ من حيث السماح بالحريات، وعدم ممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان
شؤون خليجية-