قال الصحفي البريطاني، «روري دوناهي»، إنه كان بين أكثر من ألف صحفي ومعارض سياسي قامت دولة الإمارات باستخدام برنامج متقدم للتجسس على حواسيبهم، معتبرا أن ذلك يكشف عن الوجه الحقيقي للدولة البوليسية في هذا البلد الخليجي.
«دوناهي» أضاف في مقال له نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، الذي يعمل به محررا للأخبار: «كنت واحدا من بين ألف شخص حاولت الإمارات العربية المتحدة وضعهم تحت الرقابة، عبر استخدام نظام تجسس متقدم، اشترته من شركات تكنولوجيا أوروبية».
ولفت إلى أن تقريرا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية كشف عن هذا الأمر، الأسبوع الماضي؛ حيث أفاد بأن دولة الإمارات أنفقت حوالي 644 ألف دولار عام 2015؛ من أجل تثبيت برامج تجسس على أجهزة حاسوب 1100 معارض سياسي وصحفي؛ عبر شركة قلمت بإرسال نظام التجسس إلى أحد أفراد العائلة الحاكمة في إمارة أبوظبي، وهي اتهامات قالت السلطات الإماراتية للصحيفة إنها تقوم بالتحقيق فيها.
ويتابع الكاتب بأن «السبب الذي جعل السلطات الإماراتية تستهدفني بالملاحقة؛ هو أنني قمت في الفترة ما بين مارس/آذار 2012 وأبريل/نيسان 2014، بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات لمؤسسة ساعدت في إنشائها، وهي المركز الإماراتي لحقوق الإنسان».
ويعلق «دوناهي» قائلا إن «الجهد الذي بذله خبير الحاسوب الأمريكي، بيل ماركزاك، للكشف عن برنامج التجسس الإماراتي، الذي استهدف المعارضين والناشطين والصحفيين، مهم جدا؛ لأنه يكشف جانبا لا يعرف عنه إلا القليل عن دولة الإمارات، وهو أنها تستخدم ثروتها الهائلة، وبالوسائل كلها، لإسكات المعارضة في الداخل والخارج».
ويواصل الكاتب قائلا: «لا أحد ينكر أن الإمارات العربية، ومنذ استقلالها عام 1971، مرت بمراحل تطور مهمة مدفوعة بالثروة النفطية، التي حولتها من دولة في الصحراء إلى المركز الرئيسي للنقل في المنطقة ومركز للتجارة والمال».
ويذكر الكاتب أنه «في العام الماضي نظمت الإمارات انتخابات للتصويت على انتخاب نصف أعضاء البرلمان المكون من 40 عضوا، أو المجلس الوطني الفيدرالي، حيث هللت السلطات له باعتباره تطورا مهما، وزادت قاعدة الذين يحق له المشاركة بنسبة 60% عن انتخابات عام 2011، أي 224279 شخصا من أصل 1.4 مليون نسمة، لكن المصوتين في هذه الانتخابات، التي شاركت فيها نسبة 35% فقط، انتخبوا أعضاء في البرلمان لا سلطة لهم، حيث إن المجلس الوطني الفيدرالي ذو صفة استشارية وليست تفويضية".
ويلفت «دوناهي» إلى أنه «في الوقت الذي تدفع فيه الدولة باتجاه تحقيق الأهداف الدستورية لبناء الديمقراطية، فإن الإماراتيين راغبون بإظهار تقدمهم في مجال حقوق المرأة، وفي العام الماضي تم اختيار عهود الرومي كي تستلم المنصب الجديد (وزيرة السعادة)، وجاء الإعلان بعد 12 شهرا من اشتهار مريم المنصوري على مستوى العالم، بعدما قادت مقاتلة حربية، وشاركت في الغارات على تنظيم الدولة في العراق وسوريا».
ويستدرك الكاتب قائلا: «لكن احفر تحت الصورة الباهرة والتقدم التدريجي، وستعثر على نظام دولة استبدادية، تستخدم اللبرلة والدمقرطة ورقة تين صممتها شركات علاقات عامة، تتلقى أجورا عالية، وقامت بتصميم ماركة عالمية، جعلت من اسم الإمارات مكتوبا على كل شيء، من القمصان الرياضية لفريق ريال مدريد إلى سيارات الكابل في لندن».
ويقول «دوناهي»: «خلال السنوات الأربع الماضية، قمت بالتوثيق المستمر للاعتقالات السرية، وما يقال عن التعذيب وأحكام السجن الطويلة للمعارضين الإماراتيين، الذين اتسموا بالشجاعة، وطالبوا بإصلاح النظام السياسي، الذي لا يمنحهم إلا دورا قليلا في كيفية حكم بلادهم».
وينوه الكاتب إلى أن «انتهاكات لحقوق الإنسان حدثت في أجواء من الإساءات، التي تشمل معاملة العمالة الوافدة بطريقة سيئة، ونظاما قانونيا غير مستقل ويفتقر إلى أدنى المعايير، بالإضافة إلى حوادث لا حصر لها، من حوادث يتهم فيها أشخاص بناء على قوانين تثير الضحك، مثل اعتقال امرأة أبلغت الشرطة عن تعرضها للاغتصاب، إلى اعتقال رجل أعمال سخر بطريقة مهذبة من الحياة في دبي».
ويفيد دوناهي بأن «الانتهاكات حصلت على مدار عقد من الزمان، وجاءت في ظل تحولات البلد وقيادته من جيل جديد من القادة، بدأ يعتمد وبشكل متزايد على الرقابة وسيلة لتأكيد سيطرته على الدولة، حيث إنه منذ وفاة الحاكم المحبوب الشيخ زايد عام 2004، أصبحت القيادة في أبو ظبي مسكونة بالخوف، وكشفت تحركاتها عن الطريقة التي تنظر فيها السلطات للرأي العام، عبر منظور من الشك المطلق».
ويورد الكاتب أنه «بالإضافة إلى محاولة السلطات الإماراتية التجسس على اتصالات المعارضين والنشطاء، فإنها قامت أيضا ببناء نظام ضخم من المراقبة المدنية، الذي ركبته شركة إسرائيلية، ويراقب حياة كل شخص يعيش في أبو ظبي».
ويذكر أنه «عادة ما تتحدث الشخصيات الإماراتية، وبشكل دقيق، عن المخاطر الأمنية التي تواجه البلاد في منطقة مضطربة، وهو مبرر يتم تقديمه في معرض الدفاع عن نظام الرقابة الضخم، لكنه نقاش يفتح المجال لمعرفة سبب عدم شجب الإمارات لسجلها المروع في مجال حقوق الإنسان».
ويرى «دوناهي» أن «الكشف عن قيام الإمارات العربية المتحدة بعمليات تجسس سرية ضد المعارضين داخل البلاد وخارجها، هو ببساطة مثال آخر عن الكيفية التي يقدم فيها حكام الإمارات أنفسهم للرأي العام، بأنهم واحة للاستقرار والتقدم في الشرق الأوسط، لكنهم مستعدون سرا للمشاركة في الأعمال القذرة، والتمسك بالسلطة دون احترام لحقوق أي شخص، سواء كان في الداخل أو في الخارج».
ويخلص الكاتب إلى أنه «حان الوقت للنظر إلى قيادة الإمارات العربية المتحدة كما هي: ديكتاتورية تدار عبر شركات علاقات عامة مزركشة، وهي معنية بالإثراء بأي طريقة ممكنة، من خلال استخدام قوتها الدولية، وممارسة أكبر قدر من الاضطهاد للحصول على ما يريدون».
ميدل إيست آي-