مجتمع » حريات وحقوق الانسان

(كيس فحم) يُشعل الجدل!

في 2016/06/18

لا يكاد يمرّ يوم من دون قنبلة تنفجر بالنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الأمر بحد ذاته – من حيث المبدأ – ظاهرة صحية ومثمرة على المدى البعيد، إلا أنه وبتأمل بعض تلك القضايا ستجد أنها لا يمكن أن تناقش في مجتمعات أخرى قد تجاوزت عُقدها الاجتماعية والثقافية.

كان آخر تلك القضايا نقاش ما طرحه الكاتب في عكاظ عبدالله عمر خياط عن شكل العباءة وأنها قد تشابه (كيس الفحم) كما أشار، فحدثت الغضبة (المُضرية) من فئات كثيرة بعضهم للأسف وجدها فرصة للمزايدة والتكسب على حساب إنسان ومواطن يعيش بيننا يفترض (في أسوأ الأحوال) أن يُعتبر وصفه ذاك من باب (زلة اللسان)، فضلاً عن منطقية طرحه حين طرح فكرته واصفاً ما قد يؤول إليه شكل العباءة، وليس وصف العباءة نفسها، كما وضح هو في تعقيب لاحق نشرته الصحيفة.

نحن هنا أمام عدة أمور (كارثية) سأحاول تلخيص بعضها:

- هذه المسألة لا أستطيع إدراجها ضمن مسائل الاختلاف في الرأي حتى أتمكن من انتقاد عدم تقبل الرأي الآخر، لأنها ببساطة مجرد عملية تصيّد لما يُتصور أنها زلة من الصحيفة التي تمارس (التغريب) في ذهنية البعض عن الصحيفة وعن المنظومة الإعلامية ككل، بدليل أن بعض رموز التشدد يقعون في زلاّت أكثر إساءة ولكن لا يتم استهدافهم بمثل ذلك الغضب الجماعي المسّيس. فهي إذن مجرد اهتياج حزبي منظم لإحراز بعض النقاط على الأرض.

- كشف ذلك الغضب العشوائي عن حقيقة مهمّة، وهي أن هناك توتّرا عميقا في ذهنية الخطاب الصحوي، ويظهر هذا التوتّر في أي قضية يمكن أن يكون النقاش فيها مدعاة لممارسة بعض المزايدات. تكمن الخطورة هنا في أن هذا الخطاب لا يزال متقوقعاً على محدداته التي توقف عندها ويريد أن يفهم الواقع والمتغيرات والناس والأشياء من خلالها فقط. نفس الخصومة مع الآخر ومع الزمن ومع الذات. انعدام واضح لإمكانية التعايش السلمي مع كل من يختلف قيد أنملة.

إن الطريقة التي ينشأ عليها أي مجتمع يتربى على الرأي الواحد / الفتوى الواحدة / الصيغة المعيشية الواحدة لا يمكنها إلا أن تنتج تعقيدات بالغة الخطورة على القيم الإنسانية والمدنيّة المفترضة؛ ذلك أن الإنسان حين ينشأ على محددات تم زراعتها بخشونة الفرض الذي لا يقبل أي اختلاف فإن هذا الإنسان سيتصور أن تلك المحددات هي حق من حقوقه، فأي اختلاف عن نمطيتها المزروعة مسبقاً فكأنما هو انتزاع لذلك الحق، ومن هنا نشاهد كل تلك الشراسة في الهجوم على أي رأي مختلف. والمشكلة أن الشيخ الألباني نفسه ذا المنهجية (السلفية) له رأي في عدم اشتراط اللون الأسود في العباءة أو الحجاب! كما أن شكل ولون العباءة السوداء ليس من مقتضيات الهوية الحقيقية الأصيلة لشرائح واسعة جدا من المجتمع قبل حقبة زمن الصحوة! فعلام كل ذلك الغضب؟ وما منطقيته؟ إنه – في عمقه – لم يكن سوى غضب على الوصول إلى ملامسة أيقونة من أيقونات المكاسب المتحققة لعقود في مجال المزايدة الدارجة.

في الحقيقة ليست قضيتي هنا هي ذات القضية المتفجرة عن شكل ولون الحجاب، بل قضيتي هي تلك النمطية في التفكير التي أسست لطريقة تعامل فئات من المجتمع اليوم مع الحياة ومع الأفكار، فأنتجت هذه الحالة المتردّية في مستويات الحوار وتقبل ما لدى الآخر. والخطورة ليست هنا، بل باستمرار تلك اللغة الغوغائية التي ترسم خطوط (المؤامرة) الوهمية وبذهنية بدائية؛ لترسخ في كل مرة ذات التزييف في إدراك حقائق الأمور. إنها جريمة أتصور أنها تعادل جريمة بث الشائعات.

وحيد الغامدي-