ليس من حق أحد أن يلوم ناصر القصبي على استقراره في مدينة دبي بعد أن أُخرج من كل شيء ولم يبق له إلا فنّه، فمن حقه أن يهاجر بحثا عن السلامة وكل ما يزيد من وهج إبداعه.
لم أرغب أن تكون المقدمة عن ما دفع ناصر الى الهجرة ولن استمر في البحث عن ذلك، لكن ما أنا بصدده هو كيف حافظ من بلغ قسوة التهديد وشدة الرفض على وهجه الابداعي والقدرة على انتزاع الضحكة حتى ممن يهددونه بسببها.. كيف آن لهذا الرجل أن يخرج من شخصية ليجسد أخرى وكأننا ازاء تقنية إجادة عالية لا تقف عند حدود، رغم ما هو فيه من تهديد وغربة.
قد نختلف مع ناصر القصبي، وقد نجد في بعض أعماله خروجا على النص، لكننا لا بد أن نتفق أننا ازاء قدرة فنية عالية لم يبلغها في الخليج الا شخصية واحد معنية بالكويتي عبدالحسين عبدالرضا.. فكلاهما اجاد كل الأدوار ونفذ ببراعة الرسائل المجتمعية التي احتاجها مجتمعهما.
نتفق على أن القصبي كان كذلك، لكن ما نتفق عليه أن مدرسة هذا الرجل لم تجد من يستثمرها جيدا ببناء عمل درامي سعودي كبير يعبر عن مجتمعه بكل إجادة، سواء عن تاريخنا أو رسالة نرغب في إيصالها للآخرين أو فضيلة نريدها أن تستمر أو حتى قصة معينة لها وقعها في انفسنا.. والأهم أن تكون عبر انتاج سينمائي ضخم ولا بأس أن نحن الى بعض الكوميديا التي يستطيع القصبي خلقها حتى في أعتى مواقف التراجيديا.
نحن نستهلك القصبي وُنكثر من أعدائه دون أن نشعر عبر «طاش» ثم «عيال قرية» وأخيرا «سيلفي»، وكلها متشابهة وان اختلف مسماها، وكأننا حصرناه في هذا الشأن وأغلقنا عليه ولا نريده أن يخرج منه.. نغلق عليه طوال العام ثم نطلقه في رمضان ليعيد لنا ما كان عليه منذ سنين إن لم نقل قبل عقود، ورغم ذلك هو يستطيع اخراج الابتسامة والضحكة منّا.. وعلينا أن لا نلوم الا انفسنا ومستغلي موهبته وحصرها في اطار واحد اذا ما استنفدنا كل ما لديه ثم تركناه وحيدا.. دون ابداع مستقبلي.
علينا أن نستثمر القصبي كقدرة ابداعية عالية في اعمال سينمائية راقية متفوقة، لأننا نحسب أنه وعبر الاجادة الكبيرة التي هو عليها قادر على أن يكون في محل الثقة، بشرط توافر النص الراقي والسيناريست المتمكن والاخراج الابداعي، ولن نجد قلقا من معاونيه ومسانديه من الممثلين لأن لدينا وبكثرة من يجيد ذلك.
العمل السينمائي الكبير هو الطريق الصحيح لكي نُطلع العالم على ثقافتنا وهو المنتشر الحقيقي الذي بإمكانه أن يصل الى الآخرين، أما المسلسلات الموغلة في المحلية كما هي التي عليها ناصر وزملائه فهي لن تحرك ساكنا لدى الآخرين ونظرتهم تجاهنا.
لنبدأ التفكير من الآن في عمل سينمائي ضخم يُعبر عنّا وعن أهدافنا ومقوماتنا أو حتى عن تاريخنا المجيد.. فقط لنتحرك ونستثمر المبدعين، فقد يأتي يوم لا نجد شيئا لديهم.. ونعود مرة اخرى الى جملة المتكسبين الذين ينقلون الصورة الخاطئة التافهة عنّا للعالم.
مساعد العصيمي- اليوم السعودية-